للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الضَّحِيَّةِ، قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ أُطْعِمُهُ مِنْهَا حَتَّى قَدِمَ المَدِينَةَ" (١). وَالسَّبَبُ الثَّانِي: اخْتِلَافُهُمْ فِي مَفْهُومِ الأَحَادِيثِ الوَارِدَةِ فِي أَحْكَامِ الضَّحَايَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ ثَبَتَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهُ قَالَ: "إِذَا دَخَلَ العَشْر، فَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلَا يَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهِ شَيْئًا، وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ" (٢). قَالُوا: فَقَوْلُهُ: "إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ"، فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الضَّحِيَّةَ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ. وَلَمَّا أَمَرَ - عَلَيْهِ الصلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَبَا بُرْدَةَ بِإِعَادَةِ أُضْحِيَّتِهِ إِذْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ (٣)، فَهِمَ قَوْمٌ مِنْ ذَلِكَ الوُجُوبَ، وَمَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنْ لَا وُجُوبَ. قَالَ عِكْرِمَةُ: (٤) بَعَثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ بِدِرْهَمَيْنِ أَشْتَرِي بِهِمَا لَحْمًا، وَقَالَ: مَنْ لَقِيتَ، فَقُلْ لَهُ: هَذِهِ ضَحِيَّةُ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَرُوِيَ عَنْ بِلَالٍ (٥) أَنَّهُ ضَحَّى بِدِيكٍ، وَكُلُّ حَدِيثٍ لَيْسَ بِوَارِدٍ فِي الغَرَضِ الَّذِي يُحْتَجُّ فِيهِ بِهِ، فَالاحْتِجَاجُ بِهِ ضَعِيفٌ.


(١) أخرجه مسلم (١٩٧٥).
(٢) أخرجه مسلم (١٩٧٧) ولفظه: "إذا دخل العشر وعنده أضحية يريد أن يضحي، فلا يأخذن شعرًا، ولا يقلمن ظفرًا".
(٣) أخرجه البخاري (٥٥٥٦). ومسلم (١٩٦١) ولفظ البخاري: ضحى خالٌ لي يقال له: أبو بردة، قبل الصلاة، فقال له رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -: "فاتك شاة لحم"، فقال: يا رسول اللّه، إن عندي داجنًا جذعة من المعز، قال: "اذبحها، ولن تصلح لغيرك"، ثم قال: "مَنْ ذبح قبل الصلاة فإنَّما يذبح لنفسه، ومَنْ ذبح بعد الصلاة فقد تمَّ نُسُكه، وأصاب سُنَّة المسلمين".
(٤) يُنظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (٥/ ٢٣٠) حيث قَالَ: "قال عكرمة: بعثني ابن عباس بدرهمين أشتري له بهما لحمًا، وقال: مَنْ لقيت فقل: هذه أضحية ابن عباس".
وقال: "ومعلوم أن ابن عباس إنما قصد بقوله: إن الضحية ليست بواجبة، وأن اللحم الذي ابتاعه بدرهمين أغناه عن الأضحى؛ إعلامًا منه بأن الضَّحيَّة غير وَاجِبَةٍ، ولا لَازمَةٍ".
(٥) يُنظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (٥/ ٢٣٠) حيث قال: "وهذا نحو فعل بلال فيما نقل
عنه أنه ضحى بديك"، قال بعدها: لو صح.

<<  <  ج: ص:  >  >>