للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن أخذنا بالقياس قدمنا، والجمهور لا يقولون بالقياس، وإنما يقولون: هذا نص وردت فيه رفع الدرجات، وقدمت فيه الإبل، فينبغي أن نجعلها الأُولى.

قوله: (وَذَلِكَ "أَنَّهُ لَمْ يُرْوَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ ضَحَّى إِلَّا بِكَبْشٍ" (١)، فَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الكِبَاشَ فِي الضَّحَايَا أَفْضَلُ).

هذا يعتبر وهمًا من المؤلف عفا اللّه عنه؛ لأنه لم ينقل عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه ضحى، هذا أيضًا من الأخطاء التي يقع فيها الكثير، فقد ثَبتَ في "الصَّحيحَين" أنَّ رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - ضحَّى عن نسائه بالبقر (٢)، وهذا في البخاري ومسلم، وليس كما يقول المؤلف: "لم يثبت عنه". بل ثبت عنه.

والأمر الآخر أيضًا أنه جاء في "سنن البيهقي" أن الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "كان يضحي بالجزور، فإن لم يجد فإنه يضحي بالكبش" (٣)، فهذا دليل على أنه ضحى بالإبل.

إذًا، قول المؤلف ليس سليمًا فيما ذكره، وقد يعلل بأن مراده أنه لم يضحِّ لنفسه، ولكن الحال لا تختلف ما دام ضَحَّى لنسائه، فنساؤه - صلى الله عليه وسلم - هو الراعي والقيِّم عليهن، فما دَام ضحى لهن بالبقر، فذلك دليل على أنه ضحى بها، ولكن الظاهر والمشهور أن الأقلَّ ثمنًا إنما هو الكبش، ولذلك


(١) لعله كان يقصد أن ذلك الأكثر، يُنظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (٢/ ٩) حيث قال: "وأكثر ما ضحى بالكباش - صلى الله عليه وسلم - ".
(٢) أخرجه البخاري (٥٥٤٨)، واللفظ له، ومسلم (١٢١١)، عن عائشة، قالت: "فلما كنا بمنى، أتيت بلحم بقر، فقلت: ما هذا؟ قالوا: ضاحى رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - عن أزواجه بالبقر".
(٣) "السنن الكبرى" للبيهقي (٩/ ٤٥٦)، ذكره الحافظ ابن حجر في "الفتح" (١٠/ ١٢) ثم قال: "فلو كان ثابتًا، لكان نصًّا في موضع النزاع، لكن في سنده عبد اللّه بن نافع، وفيه مقال".

<<  <  ج: ص:  >  >>