للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكون في المساء، أي: بعد الظهيرة، وهنا عبَّر عن الغدوِّ بالرواح، وهذا جَائزٌ في لغة العرب (١)، وهو معروفٌ، وَلَه شواهد، وقد تكلمنا عنها تفصيلًا فيما مضى، وذكرت ذلك خشية أن يُشْكل على البعض.

قوله: (وَأَمَّا مَالِكٌ، فَحَمَلَهُ عَلَى الهَدَايَا فَقَطْ).

أي: حمل مالكٌ التفضيلَ على الهدايا، أما الأضحية فيرى أن الكباشَ أفضل.

قوله: (لِئَلَّا يُعَارِضَ الفِعْلُ القَوْلَ، وَهُوَ الأَوْلَى).

أي: حَمَل مالكٌ ذلك على الهدايا جمعًا بين الأدلة حتى لا يحصل تعارضٌ بين فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وبين قوله، فالفعل أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - عند المالكية لم يذبح إلا كبشًا، لكننا قلنا: إنَّ الصحيح هو على خلاف ذلك، وقَدْ أَوْرَدنا حَديثًا في "الصحيحين"، وحديثًا في "سنن البيهقي"، فَتَبيَّن تقرير ذلك، وأنَّ قَصْرَ ذلك على الكباش ليس مسلَّمًا، وبذلك يضعف الاحتجاج لهذا الفريق، ويبقى مذهب جمهور العلماء في نظري أنه الأقوى، وهو الأولى، وبذلك يحصل اتحاد بين الهدايا وبين الضحايا، ولا ينبغي أن يفرق بينهما في تشابههما وتداخلهما في كثيرٍ من الأحكام، حتى أنه لم يرد نصّ بالنسبة للهدايا - فيما أعلم - بكيفية توزيعها، ولكن العلماء ألحقوها بالضحايا، فيأكل الثلث، ويتصدق بالثلث، ويهدي الثلث، فجعلوها ملحقةً بهذه.

أقول: لا تعارضَ بين القول والفعل، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - ذبح مرةً كباشًا، وَحَصل أنه - صلى الله عليه وسلم - ضحَّى بالبقر وبالجزور، وبذلك لا يوجد تعارضٌ، وكون الكباش أكثر؛ لأنها متوفرة، ومتداولة بين الناس، وثمنها أقل.


(١) يُنظر: "الصحاح" للجوهري (١/ ٣٦٨) حيث قال: "والرواح: نقيض الصباح، وهو اسم للوقت من زوال الشمس إلى الليل".

<<  <  ج: ص:  >  >>