للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذًا، كل دابة في الأرض رزقها على اللّه سبحانه وتعالى، وأحيانًا يرد لفظ عامٌّ ولكن يُرَاد به الخُصُوص، كقَوْل اللّه سبحانه وتعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: ٩٧]، إذن قيده اللّه سبحانه وتعالى بالاستطاعة، بل هناك أُمور أُخرى أضافها العلماء لمَنْ يجب عليه الحج، وهو أن يكون عاقلًا بالغًا، أما غير هذا فلا يجب عليه الحج.

إذن، قد يأتى النص عامًّا، ولكن قَدْ ترد قرينةٌ فتُخصِّصه، وقد يأتي النص مطلقًا لا توجد معه قرينة تدلُّ على أن المرادَ منه العموم، أو المراد منه الخصوص، فيَبْقى على النص مطلقًا، كقَول اللّه سبحانه وتعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} [البقرة: ٢٢٨]، فهذه الظاهرة عامة على المطلقات، لكن جاء بعد ذلك المتوفَّى عنها زوجها، فعدتها تنتهي بوضع الحمل، قال تعالى: {أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٤].

كذلك أيضًا الخاص الذي يُرَاد به الخُصُوص، وهو غير الخَاص المخصوص، فَالخاصُّ المخصوصُ أوسعُ وأشملُ من الخاصِّ الذي يُرَاد به الخصوص.

قَالَ: (وَلَا يُتَجَنَّبُ بِالجُمْلَةِ أَكْثَرُ مِنْ هَذِهِ العُيُوبِ الَّتِي وَقَعَ النَّصُّ عَلَيْهَا. وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: هَلْ هَذَا اللَّفْظُ الوَارِدُ هُوَ خَاصٌّ أرِيدَ بِهِ الخُصُوصُ (١)، أَوْ خَاصٌّ أُرِيدَ بِهِ العُمُوم؟) (٢).


(١) انظر: "الفصول في الأصول" للجصاص (١/ ١٣٦)، وفيه قال: "وقد يرد اللفظ الخاص، والمراد به الخصحوص؛ كقَوْله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} [الفتح: ٢٩]، وقوله: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة: ٦٧]، وقوله تعالى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: ٣٧] وَنَظَائره".
(٢) انظر: "التقريب والإرشاد" (الصغير)، للقاضي الباقلاني (٣/ ١٣)، وفيه قال: "خاص أريد به العام، فالمعنى فيه أنه خاصٌّ من جهة لفظه، وحكم الوضع في اللسان، وعام من جهة قَصْد المتكلم به".
ومعنى هذا: أنه إذا كان خاصًّا، أريد به الخصوص، فإنه يقتصر على هذه العيوب الذي ذكرت، بخلاف مَنْ قال بأنه خاصٌّ أريد به العموم، فيشمل كل عَيْبٍ كان على شاكلة ما ذكر.

<<  <  ج: ص:  >  >>