للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَمَّا الكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: ١٢١]، وَأَمَّا السُّنَّةُ المُعَارِضَةُ لِهَذ الآيَةِ فَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ نَاسًا مِنَ البَادِيَةِ يَأْتُونَنَا بِلُحْمَانٍ وَلَا نَدْرِي أَسَمَّوُا اللَّهَ عَلَيْهَا أَمْ لَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "سَمُّوا اللهَ عَلَيْهَا، ثُمَّ كُلُوهَا" (١)).

بلحمان وفي بعضها بلحم (٢)، كان هؤلاء الناس قريبو عهد بإسلام وكانوا يأتون بهذا اللحم ولا يدري هؤلاء أسمي عليه أو لا، فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "سمُّوا الله وكلوا"، وهذا في الأمر المشكوك فيه، حتى ولو جاءك من أهل الكتاب فتسمي عليه وتأكل، وسيأتي الخلاف الواسع فيما يتعلَّق بذبائح أهل الكتاب.

• قوله: (فَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّ الآيَةَ نَاسِخَةٌ لِهَذَا الحَدِيثِ، وَتَأَوَّلَ أَنَّ هَذَا الحَدِيثَ كَانَ فِي أَوَّلِ الإِسْلَامِ (٣)، وَلَمْ يَرَ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّ هَذَا الحَدِيثَ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ كَانَ بِالمَدِينَةِ، وَآيَةُ التَّسْمِيَةِ مَكِّيَّةٌ، فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ لِمَكَانِ هَذَا مَذْهَبَ الجَمْعِ بِأَنْ حَمَلَ الأمْرَ بِالتَّسْمِيَةِ عَلَى النَّدْبِ، وَأَمَّا مَنِ اشْتَرَطَ الذِّكْرَ فِي الوُجُوب، فَمَصِيرًا إِلَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الخَطَأ، وَالنِّسْيَان، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ" (٤)).

ليس في الحديث دليل صريح لمذهب الشافعية؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: "سمُّوا الله وكلوا"، وهذا يكون في الأمر المشكوك فيه، وهو يختلف


(١) أخرجه البخاري (٧٣٩٨).
(٢) أخرجها ابن ماجه (٣١٧٤) عن عائشة أم المؤمنين: أن قومًا قالوا: يا رسول الله، إن قومًا يأتونا بلحم لا ندري ذكر اسم الله عليه أم لا؟ قال: "سموا أنتم وكلوا". وكانوا حديث عهد بالكفر. وصححه الألباني في "المشكاة" (٤٠٦٩).
(٣) يُنظر: "الموطأ" لمالك (٢/ ٤٨٨)؛ حيث قال: "قال مالك: وذلك في أول الإسلام".
(٤) تقدَّم.

<<  <  ج: ص:  >  >>