للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَرِيعَتِهِمْ، لِأَنَّهُ لَوِ اشْتُرِطَ ذَلِكَ، لمَا جَازَ أَكلُ ذَبَائِحِهِمْ بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ، لِكَوْنِ اعْتِقَادِ شَرِيعَتِهِمْ فِي ذَلِكَ مَنْسُوخًا، وَاعْتِقَادِ شَرِيعَتِنَا لَا يَصِحُّ مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا هَذَا حُكْمٌ خَصَّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، فَذَبَائِحُهُمْ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - جَائِزَةٌ لَنَا عَلَى الإِطْلَاقِ، وَإِلَّا ارْتَفَعَ حُكْمُ آيَةِ التَّحْلِيلِ جُمْلَةً، فَتَأَمَّلْ هَذَا، فَإِنَّهُ بَيِّنٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا المَجُوسُ: فَإِنَّ الجُمْهُورَ عَلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ ذَبَائِحُهُمْ، لِأَنَّهُمْ مُشْرِكُونَ (١)، وَتَمَسَّكَ قَوْمٌ فِي إِجَازَتِهَا بِعُمُومِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الكِتَابِ" (٢).

حكى بعض العلماء الإجماع أن ذبائح المجوس لا تجوز، أما صيدهم من السمك فهذا أمر متفق عليه (٣) ولم يخالف فيه إلا مالك في


(١) يُنظر: "الإجماع"، لابن القطان (١/ ٣٢١)؛ حيث قال: "وأجمعوا أن المجوسي والوثني لو سمَّى الله لم تؤكل ذبيحته"، وتقدَّم بيان ذلك في مسألة المرتد قبل قليل.
(٢) أخرجه مالك (١/ ٢٧٨)، وضعفه الألباني في "الإرواء" (١٢٤٨).
(٣) وهو قول الأئمة الأربعة، وحكي إجماعًا، ويُنظر: "المغني"، لابن قدامة (٩/ ٣٩٣)، وإنما خلاف مالك والليث في الجراد كما سيأتي.
لمذهب الحنفية، يُنظر: "البناية شرح الهداية"، للعيني (١١/ ٦١٦)؛ حيث قال: "فوائد: وفي "الكافي" للحاكم: ولا يحل صيد المجوسي ولا ذبيحته إلا فيما يحتاج إليه من التذكية من سمكة أو جرادة وبيضة يأخذها، وما أشبه ذلك، وكذلك المرتد". ولمذهب المالكية، يُنظر: "حاشية الصاوي" (٢/ ١٨٢)، حيث قال: "واعلم أن ميتة البحر … وسواء وجد ذلك الميت راسيًا في الماء أو طافيًا أو في بطن حوت أو طير، سواء ابتلعه ميئا أو حيًّا ومات في بطنه، ويغسل ويؤكل وسواء صاده مسلم أو مجوسي".
ولمذهب الشافعية، يُنظر: "تحفة المحتاج"، للهيتمي (٩/ ٣١٧)؛ حيث قال: " (ولو صادهما)، أو ذبح السمك (مجوسي) لحل ميتتهما فلم يؤثر فيهما فعله".
ولمذهب الحنابلة، يُنظر: "الشرح الكبير"، لابن أبي عمر (٢٧/ ٣٦٠): حيث قال: "فأما ما لا يفتقر إلى الذكاة، كالحوت والجراد، فيباح إذا صاده المجوسي ومن لا تباح ذبيحته، وقد أجمع على ذلك أهل العلم"

<<  <  ج: ص:  >  >>