يعني: ليس مرادُ المؤلِّف هنا أن ينقد ذلك، لا، بل يقصد أنَّ هذا تغلغلٌ وعمقٌ وغوصٌ في أعماق الشريعة، وغوصٌ في أعماقِ الفقه، لكنه لم يأت النطق به في الأصول التي مرَّت بنا في الآيات والأحاديث، لكن كما تعلمون أيها الإخوة أنَّ العلماء - رحمهم الله - عندما تلقَّوا هذا الكنز العظيم، هذا العلم العظيم، الذي جاء به كتاب الله - عز وجل - وسنة رسوله، وما نقل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بيانٍ، وما نقل علينا من أقوال الصحابة، ثم حمَلَهُ التابعون، ثم أتباع التابعين، ثم جاء الأئمة، ثم جاء تلاميذ الأئمة، وهكذا إلى أن بدأ العلماء يُعنون بهذا الكنز العظيم، الفقه، فبدؤوا يبحثون عن علل الأحكام، ما هي الأصول التي اعتمد عليها الأئمةُ في مدى تحرير المسائل، وفي تأصيلها، فوقفوا عند أصول الأئمة، فبدؤوا يخرجون عليها.
إذن هذا نوعٌ من التخريج، لأنَّ الشريعة الإسلامية إما أن تأتي وقد نطق بها النص، أو ما هو قريبٌ من النص، لأنها إما أن يكون الدليل في كتاب الله - عز وجل -، أو فيما صحَّ عن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو أنْ يكون هناك إجماعٌ، أو أن يكونَ هناك قياسٌ صحيحٌ، أو أن نفهمَ ذلك من خلال استقراء الشريعة الإسلامية، وهذه كلها أمورٌ قد تكلم عنها العلماء - رحمهم الله تعالى - وبينوها.
بيَّنَ المؤلف العفَة في أنه لم يستطرد في بيان ذلك، وفي الغوصِ في هذا الأمر، لأنه وضع هذا الكتاب ليكون قاصِرًا على أصول المسائل، لا أنه يشتمل على جميع المسائل والجزئيات، فلما كان الأمر كذلك لو دخل