للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في نفسه، قال تعالى: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (٢١) وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (٢٢)} [الذاريات: ٢١ - ٢٢]، وقال تعالى: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (٦) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٧) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} [ق: ٦ - ٨]، فهذا الكون الذي أقيم، هذا الكون الذي يعجُّ بهذه المخلوقاتِ العظيمة تضاءلت (١) أمام هذه المخلوقات كلُّ الأشياء، هذه كلُّها لها خالقٌ واحدٌ، هو الله سبحانه وتعالى الذي يجب أن نخلص عبادتنا له سبحانه وتعالى {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (١٨)} [الجن: ١٨]، {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: ٥]، هذا الكونُ العظيمُ بما فيه من بحارٍ، بما فيه من بَرارِي (٢) وصحاري، من جبالٍ، من مَدَرٍ (٣) وشجرٍ وغير ذلك، هذه كلها نعمٌ من نعم الله سبحانه وتعالى، سخَّرها الله - صلى الله عليه وسلم - لنا، سخر لنا البحر لنركبَه، وسخَّر لنا هذه الأرض لنسير عليها {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ} [غافر: ٨٢]، كذلك أيضًا جعل الليل والنهار، لنسكن في الليل ولنعمل في النهار، وأمرنا في ذلك كله أن نعبد الله سبحانه وتعالى وبين لنا طريق السعادة والخير وأمرنا بأن نسلكه، وبيَّن لنا طريق الشر والغواية (٤) والضلال والفساد وحذَّرنا من سلوكه، وبيَّن لنا مخاطره، وأنَّ من يسلك هذا الطريق إنما مصيره إلى النار، أما الذي يسلك طريق السعادة، الذي قال الله فيه سبحانه وتعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: ١٥٣]، فإذا سلكت هذا الطريق المستقيم الذي ليس فيه عوجٌ ولا انحرافٌ ولا اعوجاجٌ، لا شكَّ أنه سيصل بك إلى جنةٍ عرضها السموات والأرض، التي قال الله عنها: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (٥٤) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ


(١) ضأل: الضئيل: الصغير الدقيق الحقير. انظر: "لسان العرب" لابن منظور (١١/ ٣٨٨).
(٢) البرية: الفلاة والصحراء. جمعها براري. انظر: "تحرير ألفاظ التنبيه " للنووي (ص: ٦٠).
(٣) مدر: المدر: قطع طين يا بس، الواحدة مدرة. انظر: "العين" للفراهيدي (٨/ ٣٨).
(٤) غوى: غوى الرجل يغوي غيًّا: وهو الانهماك في الباطل. والغواية: الضلال. انظر: "مجمل اللغة" لابن فارس (ص: ٦٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>