مُقْتَدِرٍ (٥٥)} [القمر: ٥٤ - ٥٥] وأنت أيها الأخ الكريم وقد أسبغ الله عليك نعمه العظيمة ووفقك لإتمام هذا النسك، وها أنت قد نسيتَ كلَّ شيءٍ في هذه الدنيا، جئت مقبلًا على الله سبحانه وتعالى مطيعًا له، خاضعًا، ذَلِيلًا، لا ترجو إلا الله، ولا تخشى إلا الله سبحانه وتعالى ولا تخاف غيره، وها أنت عدت بهذه النعمة، نسأل الله - تعالى - أن تكون ممن ابيضت صحائفُهم وأشرقت واستنارت حروف بنور الإيمان، فاحفظ هذه الوديعة العظيمة، هذه التركة الكبيرة، هذه الثمار العظيمة، علَّك أن تلقى الله سبحانه وتعالى بقلبٍ سليمٍ، إنها التجارة الرابحة إنه الكنز العظيم الذي لا ينفد ولا يفنى، فلنستفد من ذلك أيها الإخوة.
كذلك نجد أنَّ الله سبحانه وتعالى أحلَّ لنا كل الطيبات، وما حرَّمه علينا إنما هو قليل بالنسبة لما أباحه الله سبحانه وتعالى، فأباح لنا الأنعام بجميع أنواعها، من الإبل والبقر والغنم، وانظروا إلى كثرتها مهما أكل الناس منها ومهما أفنوْا ومهما أهَدْوا ومهما باعُوا ومهما اشتروا، فهي باقيةٌ منتشرةٌ بحمد الله، هناك أيضًا ما أعطانا الله سبحانه وتعالى من النِّعَم في هذا البحر من حيوانٍ وغيره، حتى أصبح المسلمون الآن يستفيدون من ماء البحر في تحلِيَتِهِ، أليست هذه نعمةً من نعم الله سبحانه وتعالى، نستخرج منه لحمًا طريًّا، هذه السفن التي تَعُبُّ هذا البحر، التي تخترق هذه البحار، هذه الطائرات التي ترون أنها تسبح في الفضاء، هذه السيارات التي نمتطيها ونقطع بها المسافات في أوقاتٍ يسيرة نتجاوز بها السهل والوعر، أليست هذه من نعم الله سبحانه وتعالى علينا، هذه الصحة التي نَرْفَلُ بها ونتنعَّمُ بها، أليست من نِعَمِ الله سبحانه وتعالى، أليست أعظم نعمةٍ من نِعَمِ الله سبحانه وتعالى أن هدانا للإسلام، أليسب الدين الحق إنما هو هذا الدين، الذي قال الله فيه:{مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ}[الحج: ٧٨].
إذن ينبغي أيها الإخوة أن نستفيد من هذه المراحل التي مررنا بها وأن نجعلها دائمًا نصب أعيننا، وألا نرجع على أعقابنا وقد هدانا الله سبحانه وتعالى