للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حديث رافع بن خديج قال: "كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذي الحليفة (١) - والذي يعرف الآن بأبيار علي، وهو الذي يحرم منه الحاجون والمعتمرون - فأصاب الناس جوعٌ" انظروا إلى زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإلى كيف تبدلت الحال التي نحن علينا، قال: "فأصبنا إبلًا وغنمًا، وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - في متأخَّرِ القَوْمِ" الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يحرص أن يكون في أوائل الناس، يسابقهم، وإنما يبقى - عليه الصلاة والسلام - في مثل ذلك المقام يرْعَى أحوالهم، وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - في المتأخرين: يعني ممن كانوا في مؤخرة القوم، قال: "فعَجلوا" أي: فعجل الناس فنصبوا قدورهم؛ لأنهم في مجاعةٍ، وجدوا هذه الإبل وهذه البقر، فاستبشروا بذلك، فما كان منهم إلا أن نصبوا قدورهم، فلما وصل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بالقدور فأكفئت، ثم إنه - عليه الصلاة والسلام - "قسم فجعل كل عشرٍ من الشياه بمثابة بدنةٍ واحدةٍ"، هذه كلها مقدمة مهمة لم يعرضها المؤلف، لكن المؤلف جاء بالشاهد: "فند بعيز" يعني: شرد هذا البعير، هام على وجهه، سعى وانطلق مسرعًا في الأرض "ولم يكن في القوم إلا خيلٌ يسيرة فأعياهم ذلك البعير" الذي ند، الذي شرد وفرَّ، فما كان من أحد الصحابة - رضي الله عنه - إلا أنْ أصابه بسهمٍ "فحبسه الله" سبحانه وتعالى، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن لهذه البهائم أَوابِدَ (٢) كأوابدِ الوَحْشِ، فما فعل ذلك أو فما غلبكم منها فاصنَعُوا به هكذا" إذن هذا نصٌّ جاء في الصحيحين وفي غيرهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أن بعيرًا ندَّ" أي: شرَدَ، هام على وجهه مسرعًا ولم يتمكن القوم من القبض عليه لينحروه، فما كان من أحدهم إلا أنْ أرسلَ عليه سهمه، فأصابه، جاء في الحديث: "فحبَسَهُ الله" (٣) لأن ذلك كله بقضاء الله، فلما حبس أراد


(١) ذو الحليفة: قرية بينها وبين المدينة ستة أميال أو سبعة، ومنها ميقات أهل المدينة، وهو من مياه جشم بينهم وبين بني خفاجة من عقيل. انظر "معجم البلدان" لياقوت الحموي - (٢/ ٢٩٥).
(٢) الأوابد: جمع آبدة. وهي التي قد تأبدت أي توحشت ونفرت من الإنس. انظر: "النهاية" لابن الأثير (١/ ١٣) و"الصحاح" للجوهري (٢/ ٤٣٩).
(٣) أخرجه الدارمي (٢٠٢٠) عن رافع بن خديج، أن بعيرًا ند وليس في القوم إلا خيل =

<<  <  ج: ص:  >  >>