للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرسول - صلى الله عليه وسلم - كعادته أن يبيِّن للصحابة ذلك الحكم وأن يحدده لهم فقال: "إنَّ لهذه البهائم أوابد" أي: أنها تأبَّدَتْ كما تأبد الحيوان الوحشي، فإنه عندما شرد هذا البعير أصبح بمثابة الحيوان الوحشيِّ - الذي إذا رأى الإنسان فرَّ مسرعًا منطلقًا مبتعدًا عنه: "أوابد كأوابد الوحش"، ثم بيَّن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، مقرِّرًا عمل ذلك الصحابي فكان حكمًا مستقرًّا "فما غالبكم منها فاصنعوا به هكذا"، إذن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أعطَى الحكم، وأنتم تعلمون أنَّ سنَّة الرسول - صلى الله عليه وسلم - إما أقوالٌ عنه - عليه الصلاة والسلام - وإما أفعالٌ منه - عليه الصلاة والسلام -، وإما إقرارٌ أن يرى إنسانًا يعمل عمَلًا فيُقِرَّه عليه، إذًا هذه سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا ينبغي أن يحدثَ خلاف فيها، ومن خالف ذلك فيعتذر عنه بأنه ربَّما لم يبلغه هذا الحديث، ثم إننا لو جئنا إلى القياس، لوجدنا أنَّ القياس أيضًا يؤيد جمهور العلماء، لماذا كان الحيوان الإنسي يذبح وينحر؟ لأننا نستطيع أن نمسك به وأن نفعل ذلك، ولماذا كانت ذكاة الحيوان الوحشي العقر؟ لأننا لا نستطيع الإمساك به، فلو أمسكنا به لفعلنا به كما نفعل بالحيوان الإنسي، إذن هنا ما دام الحيوان الوحشي لو أمسكنا به فإننا نذبحه كذلك أيضًا الحيوان الإنسي لو توحش ولم نستطع أن نمسك به فإنه في هذه الحالة إنما يعقر كما فعل الصحابي - رضي الله عنه - وبمرأى من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقرًّا لذلك.

ثم هناك شواهدُ حصلت تؤيد ذلك في زمان الصحابة:

١ - فإنه حصل أن ثَوْرًا من الثِّيران في أحد بيوت الأنصار كما ورد في الأثر حرب، يعني: غضب، وثار، فعجز الناس عنه، فما كان من أحد القوم إلا أنْ ضربه بسيفه فقتله، فاستَفْتَوا في ذلك الصحابي الجليل رابع الخلفاء الأربعة، علي بن أبي طالبٍ - رضي الله عنه - فأقرَّهم على أكله (١)، وأنتم


= يسيرة، فرماه رجل بسهم، فحبسه، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش، فما غلبكم منها، فاصنعوا به هكذا" وإسناده صحيح كما قال محققه حسين أسد.
(١) ذكر هذه الرواية ابن قدامة في "المغني" (٩/ ٣٩٠) فقال: "وهرب ثور في بعض دور الأنصار، فضربه رجل بالسيف، وذكر اسم الله عليه، فسئل عنه علي فقال ذكاة=

<<  <  ج: ص:  >  >>