للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معنى هذا: أنَّ المؤلف لم يستوعب الأحاديث ولم يأت بجَمِيعها، وكان الأولى أن يأتيَ بجمِيعها؛ لأنَّ الحديث كلَّه يشتمل على أحكام، حديث أبو ثعلبة الخشني، قال: أتيتُ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله - وأنتم تعلمون حِرْص الصحابة - رضي الله عنهم - على معرفة الحلال من الحَرام، والتوقي فيما فيه شبهة - إنا بأرض قومٍ أهل كتاب، وبأرض صيدٍ، أصيد بقَوْسي، وأصيد بكلبِيَ المعلَّم، أو بكلبي غير المعلَّم، فإذا يحلُّ لي وما يحرم (١)؟ فأجابه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البشير النذير الحريص، الذي قد أوتي جَوامع الكلم (٢)، وهذا مما خصه الله سبحانه وتعالى به "أعطيت خمسًا لم يعطهن أحدٌ من الأنبياء قبلي: وذَكَر منها - عليه الصلاة والسلام -: أنه أُوتِيَ جوامع الكلم" (٣)، وهو: أن يتكلم بكلام قليل الألفاظ يحمل المعاني الكثيرة، وأصحابه - رضي الله عنهم - تأثروا برسول الله لأنهم ترَبَّوا في مدرسته، وأخذوا العلم والوحي من فيه - عليه الصلاة والسلام -، فكانوا قدوةً بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنَّ قُدوتهم في ذلك هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للصحابي: "أما ما ذَكَرْتَ بأنكم بأرض أهل كتاب وأنكم تأكلون بآنيتهم" قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تأكُلوا في آنِيَتِهم إلَّا ألَّا تجدوا غيرَها، فإن لم تجدوا فاغسلوها وكلوا فيها، وإذا أرسلت قوسك وذكرت اسم الله فكُلْ، وإذا


(١) أخرجه البخاري (٥٤٧٨)، ومسلم (١٩٣٠) عن أبي ثعلبة الخشني، قال: قلت: يا نبي الله، إنا بأرض قوم من أهل الكتاب، أفنأكل في آنيتهم؟ وبأرض صيد، أصيد بقوسي، وبكلبي الذي ليس بمعلم وبكلبي المعلم، فما يصلح لي؟ قال: "أما ما ذكرت من أهل الكتاب، فإن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها، وإن لم تجدوا فاغسلوها وكلوا فيها، وما صدت بقوسك فذكرت اسم الله فكل، وما صدت بكلبك المعلم، فذكرت اسم الله فكل، وما صدت بكلبك غير معلم فأدركت ذكاته فكل".
(٢) جوامع الكلم: جمع المعاني الكثيرة في الألفاظ القليلة والختم عليها بضمها في تلك الكلمات كما يختم على ما في الكتاب. انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (١/ ٢٣٠).
(٣) أخرجه مسلم (٥٢٣) عن أبي هريرة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لِيَ الفنائم، وجعلت لي الأرض طهورًا ومسجدًا، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون".

<<  <  ج: ص:  >  >>