للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"وإن أكل فلا تأكُلْ" (١)، فالمالكية قولهم متحد في ذلك، فما دَاموا يُجيزُون الأكل مما أكل منه الكلب فانتهى أمرهم، لكن بعد ذلك الأئمة الثلاثة انقسموا إلى قسمين:

القسم الأول: الحنفية والحنابلة قالوا: لو أن صقرًا صادَ حيوانًا أو طيرًا أو كذلك البازي فأكل منه فيؤكل عند الحنفية والحنابلة ولا أثر لذلك.

القسم الثاني: الشافعية يقولون: لا يؤكل منه؛ لأنه جاء في بعض روايات حديث عدي بن حاتم: "فإن أكل الكلبُ أو البازِيُّ فلا تأكُلْ" (٢) وقالوا: جاء التنصيص على غير الكلب فلا يجوز أن يؤكل منه، وجمهور العلماء أجابوا بأن هذه الرواية رواية ضعيفة؛ لأنها من رواية مجاهد وهذه لا يصلح أن يُحتج بها، بل هي مخالفة للروايات الأخرى الصحيحة فتطرح، ثم هي معارضةٌ لما ثبت عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: "إن أكل الكلب فلا تأكل وإن أكل الصقر فَكُلْ" (٣) ثم ذكر العِلَّةَ؛ لأنه تستطيع أن تضرب الكلب ولا تستطيع أن تضرب الصقر، قالوا: ولم يرد خلاف من الصحابة لقول عبدِ الله بن عباس، أما بالنسبة للكلب فيه خلاف، من الصحابة من نقل عنه أن الكلب إذا أكل يؤكل، نُقل هذا عن بعض الصحابة، ولكن ابن عباس خالفهم في ذلك، وفيما عدا الكلب ابن عباس وافقهم في هذه المسألة، فتبقى المسألة مُجمعٌ عليها بين الصحابة، إذن هي موضع اتفاق بينهم ولم يخالفهم في ذلك أحد، أما الحديث الذي استدل


(١) أخرجه البخاري (١٧٥) ومسلم (١٩٢٩/ ٢) عن عدي بن حاتم، قال: سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إذا أرسلت كلبك المعلم فقتل فكل، وإذا أكل فلا تأكل .. الحديث".
(٢) أخرجه أبو داود (٢٨٥١) عن عدي بن حاتم، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما علمت من كلب أو باز، ثم أرسلته وذكرت اسم الله فكل مما أمسك عليك". قلت: وإن قتل؟ قال: "إذا قتله ولم يأكل منه شيئًا فإنما أمسكه عليك" وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (٥١١١).
(٣) أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (٤/ ٤٧٣) عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: "إذا أكل الكلب المعلم، فلا تأكل، وأما الصقر والبازي فإنه إذا أكَلَ أكل".

<<  <  ج: ص:  >  >>