للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذن هو يعتبر ذلك، فنحن بحاجة إلى أن نعرف عبارات الفقهاء فعباراتهم قوية وجزلة، ولما نقرأ كتاب الرسالة نجد الفرق بينها وبين ما ألف بعد ذلك في كتب أصول الفقه، فنجد العمق، ونجد قوة العبارة والألفاظ التي ترد فيها، وهذا قد لا نجده في أسلوب من الأساليب، ونحن الآن في زماننا هذا بدأنا نسلك بالطلاب مسالك المذكرات، نضع له مذكرة ميسرة مهذبة مسهلة قريبة إلى ذهنه، ونبعده عن عميق الفكر وعن الغوص في المعاني وعن الاستنباط، وهذا ليس بالصواب لأن هذه بمثابة الرياضة للفكر، فإذا عودت إنسانًا على أن يأخذ الأمر بسيطًا تعود عليه، ولكن لما يبدأ الإنسان يشغل فكرة وذهنه ويتعمق ويدقق في المسائل سيتعود على ذلك فيصبح الأمر سهلًا ميسورًا بإذن الله.

قوله: (وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي الازْدِجَارِ فَلَيْسَ لَهُ سَبَبٌ إِلَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي قِيَاسِ سَائِرِ الْجَوَارحِ فِي ذَلِكَ عَلَى الْكَلْبِ).

في الحقيقة له سبب، ليس كما ذكر المؤلف، والسبب ذكره ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال: لأنك تستطيع أن تضرِبَ الكلب ولا تستطيع أن تضرب الصقر (١)، إذن له سبب، هذا تزجره فينزجر، وهذا تزجره فيتركك، وبعضهم يُلحق الفهد بالكلب؛ لأنه قريبٌ منه في الطباع، أليست هذه نعمة من نِعَمِ الله سبحانه وتعالى، ونعم الله كثيرة جدًّا، الله سبحانه وتعالى يسخِّرُ لنا هذه الحيوانات والوحوش، ويسخر لنا الطيور التي تسبح وتحلِّقُ في الفضاء، لتكون عونًا لنا في صيد بعض الطيور وفي غيرها، أليس ذلك نِعْمة من نِعَم اللّه كما قال الله تعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٨)} [النحل: ٨]، فالله سبحانه وتعالى سخَّرَ لنا هذه الحيوانات لنشرب لبنها ونأكل لحَمْهَا ونستَفِيدَ، من بهيمَةِ الأنعام الإبل والبقر والغَنَمِ، بعضها صالح للرُّكوب وبعضُها للحَرْثِ، نأكل لحَمْهَا ونشرَبَ لبنَها ونستفيدَ من جلودها ومن أوبارِهَا ومن أشعارها أثاثًا ومتاعًا


(١) تقدَّم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>