للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} وفي الآية الأخرى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ}، وقوله: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ} وذُكر الدم مطلقًا يعني: لفظ الدم، لكن في الأنعام جاء التنصيص على الدم المسفوح أي: الكثير، فهل كلمة: {مَسْفُوحًا} مرادها الدم الذي يحرُمُ هو الكثير أم أن ذلك جاء لأنه الأغلب ويدخل فيه القليل؟ هذا هو سرُّ الخلاف بين العلماء في هذه المسألة، ونحن نقول: إن كان الدَّمُ قَلِيلًا جدًّا فإن هذا لا يؤثر، وهذا يرجع دائمًا إلى نفس الإنسان، "استَفْتِ نفْسَكَ وإن أفتوك، وإن أفتوك" (١) فما ترى أنه فاحش كثير فعليك أن تتَوَقَّى ذلك إن وقع في بدَنِكَ أو ثوبك، فأشد نجاسة بني آدم العذرة التي تخرج منه والبول وكذلك الدم، ومع ذلك أُثر عن بعض الصحابة أنه كان يخرج دمًا من أسنانهم ومن أضراسهم رعافٌ يسير ومع ذلك يمسحونه ويخرجُون إلى الصلاة (٢)، فاليسير لا أثر له، أما الكثير فله أثر حتى وإن لم يكن سائلًا.

* قوله: (فَمَنْ رَدَّ الْمُطْلَقَ إِلَى الْمُقَيَّدِ اشْتَرَطَ فِي التَّحْرِيمِ السَّفْحَ، وَمَنْ رَأَى أَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي حُكْمًا زَائِدًا عَلَى التَّقْيِيدِ، وَأَنَّ مُعَارَضَةَ الْمُقَيَّدِ لِلْمُطْلَقِ إِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ دَلِيلِ الْخِطَابِ).

أما دليل الخطابِ (٣): فهو الذي يُعرف بمفهوم المخالفة أي الذي


(١) أخرجه أحمد (١٨٠٠١) ولفظه: "يا وابصة استفت نفسك، البر ما اطمأن إليه القلب، واطمأنت إليه النفس، والإثم ما حاك في القلب، وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك"، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (١/ ٢٢٤).
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (١/ ١٢٨) ولفظه: "عن أبي هريرة، أنه لم يكن يرى بالقطرتين من الدم في الصلاة بأسًا".
وأخرجه أيضًا عن ابن عمر: "أنه عصَر بثرة في وجهه فخرج شيء من دم، فحكه بين إصبعيه، ثم صلى ولم يتوضأ".
(٣) يُنظر: "الإحكام في أصول الأحكام" للآمدي (٣/ ٦٩)، حيث قال: "أما مفهوم المخالفة فهو ما يكون مدلول اللفظ في محل السكوت مخالفا لمدلوله في محل النطق، ويسمى دليل الخطاب أيضا".

<<  <  ج: ص:  >  >>