وقد جعك الله تعالى عقوبة من يشرب الخمر في الدنيا؛ ألَّا يشربها في الآخرة، إلا أن يتوب فيتوب الله عليه.
ولما كان العرب قد تعودوا على هذه الخمر، وجرت في دمائهم؛ فإن الله سبحانه وتعالى لم يُحرمها عليهم دفعةً واحدة؛ لأنها استقرت في نفوسهم وأصبحت جزءًا من حياتهم وأبدانهم، ولكي تُستل من سخائمهم ويُباعد بينهم وبينها؛ نجد أن الله سبحانه وتعالى حرم الخمر على مراحل ثلاثٍ:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا}[البقرة: ٢١٩]، وهذا النفع أنهم كانوا يتقوون بها على الأعمال، وقد تركها بعض الصحابة - رضي الله عنهم - وقالوا: لا حاجة لنا بما فيه إثمٌ؛ ثم قال تعالى:{لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى}[النساء: ٤٣]؛ لأن الإنسان إذا سكر هذى، وإذا هذَى افترى.
ثم جاءت المرحلة النهائية الحاسمة التي في سورة المائدة، التي قطعت كل شيء؛ قول الله سبحانه وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة:٩٠ - ٩١].
ويقول العلماء: إن التعبير هنا بالاستفهام في قول تعالى: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} أقوى وأبلغ من قوله: انتهوا، وقد قال الصحابة رضي الله تعالى عنهم: انتهينا؛ انتهينا!! فأخذوا الأسقية فألقوها في الشوارع، وهذا هو شأن الصحابة - رضي الله عنهم - كما قال الله تعالى في شأن المؤمنين:{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا}[النور: ٥١].
وأما السنة فأحاديث كثيرة جاءت عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - منها ما هو في الصحيحين، ومنها ما هو في غيرهما؛ ومنها قوله - - صلى الله عليه وسلم -: "كل مسكرٍ خمر، وكك خمرٍ حرام"(١)؛ و (كل): من صيغ العموم، مهما تغيرت أسماء
(١) أخرجه أبو داود (٣٦٨٧)، وقال الأرناؤوط: إسناده صحيح.