للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخمر، وقد جاء في الحديث أنها ستسمى بأسماء أخرى، لكنها مهما تعددت أسماؤها وتنوعت واختلفت صناعتها، فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد بيَّن أنها حرام، وقال - عليه الصلاة والسلام: "ما أسكر كثيره فقليله حرام" (١)، وقال: "ما أسكر منه الفرق؛ فملء الكف منه حرام" (٢)، وجاء أيضًا أنه - صلى الله عليه وسلم - لعن شارب الخمر، وساقيها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها، ومبتاعها.

وأجمع العلماء على تحريمها، وأما ما نُقِل (٣) عن قدامة بن مظعون، وعمرو بن معد يكرب، وأبي جندل، من أن هؤلاء شربوا الخمر وتأوَّلوا قول الله - سبحانه وتعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: ٩٣]، فإن الصحابة - رضي الله عنهم - أنكروا عليهم ذلك، وبيَّنوا خطأهم، وأن الخمر قد حُرِّمت فلا يجوز شربها، ولذلك لما دار نقاش بين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وبين قدامة بن مظعون - وقدامة هذا ممن شهد بدرًا وأُحُدًا، لكنه تأوَّل الآية، وفرقٌ بين من يتأول الأمر ويلتبس عليه، وبين من يعرف الدليل ويُحرمه، وهذا أمرٌ قد انتهى - فإنه قد ناقشه عمر وطلب من الصحابة أن يردُّوا عليه عندما ذكر الآية فسكتوا، فقال لابن عباس: أجبه؛ فقال ابن عباس: ذلك بالنسبة للماضين؛ لِمن شرب الخمر فيما مضي،


(١) سيأتي تخريجه قريبًا.
(٢) أخرجه أبو داود (٣٦٨٧)، وقال الأرناؤوط: إسناده صحيح.
(٣) أخرج النسائي في "الكبرى" (٥٢٧٠): عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ، شَرِبَ الْخَمْرَ بِالْبَحْرَيْنِ فَشَهِدَ عَلَيْهِ ثُمَّ سُئِلَ فَأَقَرَّ أَنَهُ شَرِبَه، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: مَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ: لأَنَّ اللهَ يَقُولُ: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [المائدة: ٩٣]، وَأَنَا مِنْهُمْ أَيْ مِنَ الْمُهَاجِرِينِ الْأَؤَلينَ، وَمِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، وَأَهْلِ أُحُدٍ، فَقَالَ لِلْقَوْمِ: أَجِيبُوا الرَّجُلَ فَسَكَتُوا، فَقَالَ لابْنِ عَبَّاسٍ: أَجِبْه، فَقَالَ: إِنَّمَا أَنْزَلَهَا عُذْرًا لِمَنْ شَرِبَهَا مِنَ الْمَاضِينَ قَبْلَ أَنْ تُحَرَّمَ وَأَنْزَلَ: {آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ}، حُجَّةٌ عَلَى الْبَاقِينَ ثُمَّ سَأَلَ مَنْ عِنْدَهُ عَنِ الْحَدِّ فِيهَا، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: إِنَّهُ إِذَا شَرِبَ هَذِيَ، وإذَا هَذِيَ افْتَرَى فَاجْلِدُوهُ ثَمَانِينَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>