للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن الله سبحانه وتعالى قد عفا عنه، كالحال بالنسبة للربا، فالربا حُرِّم تحريمًا قطعيًّا، لكن الله سبحانه وتعالى تجاوز عما سلف.

قوله. (أَمَّا الْخَمْرُ فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيمِ قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا، أَعْنِي الَّتِي هِيَ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ (١)، وَأَمَّا الْأَنْبِذَةُ فَإِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي الْقَلِيلِ مِنْهَا الَّذِي لَا يُسْكِر، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُسْكِرَ مِنْهَا حَرَامٌ).

هناك خلافٌ بين جمهور العلماء وبين الحنفية في مسائل، والخمر من أي نوع كانت فهي خمر، لا تختلف، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن كل مسكرٍ ومُفتِّر (٢)، وهو حديثٌ صحيح، فيدخل في ذلك الحشيش، والمخدرات بكل أنواعها، والحبوب التي أصبحت الآن تصنع في بعض البلاد؛ وهي مجموعة من السموم، القصد منها تدمير الإنسانية، وبالدرجة الأولى يُقصد بها إيذاء المسلمين، بل هذه الحبوب أشد ضررًا من الخمر، والحشيش لم يكن معروفًا في الأزمنة السابقة، وإنما عُرِف في أواخر القرن السابع، ونجد أن بعض العلماء تكلموا عن هذه الأشياء - كشيخ الإسلام ابن تيمية - وبيَّنوا خطورتها، وأنها أشد ضررًا من الخمر، واستدلوا على تحريمها بحديث: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كل مسكرٍ ومُفتِّر"، والآن تنوعت هذه الأشياء وتكاثرت وتجاوزت الحد، وقد شاهدنا ما تنتهي إليه أحوال أولئك المساكين الذين تعاطوا المخدرات، نسوا أنفسهم، نسوا أهليهم، نسوا أبناءهم، وربما باعوا أنفسهم أو أبناءهم أو أعراضهم لأجل


(١) ينظر: "الإقناع في مسائل الإجماع" لابن القطان (١/ ٣٢٧)؛ حيث قال: "واتفق أهل القبلة جميعًا على أن الخمر حرام بتحريم الله تعالى إياها".
(٢) أخرجه أبو داود (٣٦٨٦)، وقال الأرناؤوط: صحيح لغيره دون قولها: ومفتِّر، فقد عدّه الحافظ صالح بن محمد البغدادي من تفردات شهر بن حوشب (وهو ضعيف)، لأنه لم يُذكر في شيء من الحديث. وعده الحافظ الذهبي في "الميزان" من مناكيره. لكن حسَّن إسناده الحافظ ابن حجر في "الفتح"١٠/ ٤٤! ونقل المناوي في "فيض القدير" ٦/ ٣٣٨ عن الحافظ العراقي أنه صحح إسناده! وأنه احتج به في مجلس حضره أكابرُ علماء العصر لبحث تحريمِ الحشيش فأعجب من حَضَر.

<<  <  ج: ص:  >  >>