للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهم قالوا: السَّكَرُ هو المسكر، فجمع بين السّكَر وبين الرزق الحسن؛ ولكن العلماء أجابوا بعدة أجوبة، والمؤلف لم يعرض لهذا؛ لأن هذا كان في أول الأمر؛ والتفسير الآخر لابن عباس، لهذه الآية هو: من ثمراتهما تتخذون منه ما حُرِّم، ومن ثمراتهما تتخذون ما أُحلَّ - وهو الرزق الحسن.

قوله: (وأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِالْآيَةِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: السَّكَرُ هُوَ الْمُسْكِر، وَلَوْ كَانَ مُحَرَّمَ الْعَيْنِ لَمَا سَمَّاهُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا).

يقول الله تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (٦٦)} [النحل: ٦٦]؛ هذا اللبن الصافي النقي يخرج من بين الفرث والدم، فنجد أن الدم يتجه إلى العروق، وأن الفرث يتجه إلى المخرج، وأن البول يتجه إلى المثانة، ثم يخرج من بين ذلك كله هذا اللبن الصافي الأبيض النقي؛ ثم قال - تعالى - بعد ذلك: {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٦٧)} [النحل: ٦٧]؛ والذين يعقلون هم أصحاب العقول، فهل الذي يسكر يعقل مثل هذه الأمور؟!! - فكان ختام الآية {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} مناسبًا للحديث عن السّكَرِ.

قوله: (وَأَمَّا الْآثَارُ الَّتِي اعْتَمَدُوهَا فِي هَذَا الْبَابِ؛ فَمِنْ أَشْهَرِهَا عِنْدَهُمْ حَدِيثُ أَبِي عَوْنٍ الثَّقَفِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْخَمْرُ لِعَيْنِهَا، وَالسُّكْر مِنْ غَيْرِهَا" (١)، وَقَالُوا: هَذَا نَصٌّ لَا يَحْتَمِلُ التَّأوِيلَ).

أرادوا هنا أن يبيِّنوا أن هذا الحديث نص على أن تحريم الخمر لعينها، إذَن ينبغي أن يُقتصر على ما سُمي خمرًا، لا ما كان مسكرًا، وقد فُهِم بذلك أنهم يريدون أن يُفرِّقوا بين الخمر وبين غيرها من المسكرات


(١) أخرجه البيهقي في "الكبرى" (٢٠٩٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>