للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يديه" (١)، فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا إلى أن نسلك هذه السيرة؛ السيرة الحميدة النيِّرة المضيئة التي تركها لنا أولئك العلماء الأعلام، وأن تكون قدوتنا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو أسوتنا جميعًا، وبأصحابه الكرام، ثم بأولئك العلماء الأعلام من التابعين والأئمة ومن بعدهم.

قوله: (قَالَ الْقَاضِي: وَالَّذِي يظْهَرُ لِي - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ قَوْلَهُ - عليه الصلاة والسلام -: "كلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ" (٢)؛ وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْقَدْرُ الْمُسْكِرُ، لَا الْجِنْسُ الْمُسْكِرُ؛ فَإِنَّ ظُهُورَهُ فِي تَعْلِيقِ التَّحْرِيمِ بِالْجِنْسِ، أَغْلَبُ عَلَى الظَّنِّ مِنْ تَعْلِيقِهِ بِالْقَدْرِ).

القاضي هو ابن رشد.

أسلوب المؤلف هنا هو من أدب العلماء، لم يقطع في أمر من الأمور حتى ينسب العلم إلى الله، وقد كان الصحابة - رضي الله عنهم - في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقولون: الله ورسوله أعلم؛ أما الآن فنقول: الله أعلم؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد توفِّيَ، ولحق بالرفيق الأعلى.

هذا الظن الذي أورده المؤلف هو يقينٌ لا إشكال فيه، كقول الله تعالى: {وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ} [التوبة: ١١٨].

قوله: (لِمَكَان مُعَارَضَةِ ذَلِكَ الْقِيَاسِ لَهُ عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ الْكُوفِيُّونَ؛ فَإِنَّهُ لَا يَبْعُدُ أن يُحَرِّمَ الشَّارعُ قَلِيلَ الْمُسْكِرِ وَكَثِيرَهُ؛ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ، وَتَغْلِيظًا).

كم من أمورٍ حُرِّمَت سدًّا للذرائع؛ حتى تُغلَق فيها هذه الأبواب التي قد تُوصل إلى الوقوع في المحرم، ومن حام حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، والرسول - صلى الله عليه وسلم - بيَّن أن الحلال بيِّن والحرام بيِّن، وبينهما أمورٌ


(١) أخرجه البيهقي في "معرفة السنن والآثار" (١/ ٢٠٣).
(٢) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>