للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهناك فريق من العلماء يقول: هذه أصلها رخصة، واللّه سبحانه وتعالى يحب أن تؤتى رخصه، كما يكره أن تؤتى معاصيه، والرخصة ليست واجبة، فإن أديتها فإنك عملت بها، وإن أخذت بالعزيمة فأنت لم ترتكب منهيًّا؛ ويستدلون بقصة عبد الله السهمي الذي أسرته الروم، ثم وضعوه بيت فأغلق عليه، ووضعوا عنده ماءً مشوبًا بالخمر، ولحمًا مشويًّا من لحم الخنزير، وتركوه عنده، فلم يشرب شربةً من هذا الماء الذي مُزِج بالحرام، ولم يأكل قطعة من اللحم الذي شُوِي له من الخنزير، بقي ثلاثة أيام على هذه الحال، فمال رأسه، فخشوا عليه من الموت وهو أسير، فأخرجوه ثم دار نقاش بينهم، فبيَّن أن الله سبحانه وتعالى قد رخَّص له في أن يشرب من هذا ويأكل من ذلك؛ لأنه مضطر، ثم قال: لكنني كرهت ذلك لئلا أُشمِّتَكم بالإسلام.

لكن يقال في حاله: إنه قد امتنع خشية أن يستغله أعداء الإسلام، فيقولوا: هذا مسلم ضعيف، خشي على نفسه الهلاك فخرج عن دينه؛ فشرب الخمر، وأكل الخنزير.

ولو قيل لإنسان: إما أن تكفر بالله، وإما أن نقتلك؛ يجوز له أن ينطق بكلمة الكفر، شريطة أن يكون قلبه مستضيئًا بنور الإيمان، لكن أن يقولها بلسانه ويعتقدها قلبه؛ فقد خرج عن الإسلام، وهذا حصل لبعض الصحابة؛ مثل بلال وغيره، الذين كانوا يُعذَّبون في شدة الحر، توضع على أحدهم الصخرة ويقول: أحدٌ أحَدٌ!! (١)، صبروا ليظهروا قوة هذا الدين وشكيمته، ومن هنا تكلم العلماء في هذه المسألة فقالوا: إن كان هذا


(١) أخرج أحمد (٣٨٣٢): عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَوَّلُ مَنْ أَظهَرَ إِسْلَامَهُ سَبْعَةٌ: رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعَمَارٌ، وَأُمُّهُ سُمَيَّة، وَصُهَيْبٌ، وَبِلَالٌ، وَالْمِقْدَاد، فَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَمَنَعَهُ اللَّهُ بِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ، فَمَنَعَهُ اللَّهُ بِقَوْمِهِ، وَأَمَّا سَائِرُهُمْ فَأَخَذَهُمُ الْمُشْرِكُونَ، فَأَلْبَسُوهُمْ أَدْرَاعَ الْحَدِيدِ، وَصَهَرُوهُم فِي الشَّمْسِ، فَمَا مِنْهُمْ إِنْسَانٌ إِلا وَقَدْ وَاتَاهُمْ عَلَى مَا أَرَادُوا، إِلا بِلَالٌ، فَإِنَّهُ هَانتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِي اللهِ، وَهَانَ عَلَى قَوْمِهِ، فَأَعْطَوْهُ الْوِلْدَانَ، وَأَخَذُوا يَطُوفُونَ بِهِ شِعَابَ مَكَّةَ، وَهُوَ يَقُولُ أَحَدٌ، أَحَدٌ. وقال الأرناؤوط: إسناده حسن.

<<  <  ج: ص:  >  >>