للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لو كان في حالة قبل الأكل من الميتة عنده ما يسد رمقه؛ فلا يجوز له أن يأكل.

نأتي بعد ذلك إلى القضية الأخرى المتفرعة عنها؛ وهي مسألة: هل الإنسان إذا اضطر إلى الميتة؛ يجب عليه أن يأكل منها أوْ لا؟ انقسم العلماء في ذلك إلى قسمين: ففريقٌ منهم ذهب إلى أنه يجب عليه أن يأكل منها، وليس الأمر أمر اختيار؛ لأن الله تعالى يقول: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: ٢٩].

ونعلم قصة عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل؛ أنه أصبح جنبًا في ليلةٍ باردة، فقام وتيمم وصلى بأصحابه، فشكوه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أفعلت ذلك يا عمرو؟ " قال: نعم؛ قال: "لمَ؟ "، قال: أليس الله يقول: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: ٢٩]! فابتسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقرًّا له على هذا العمل؛ وهناك أيضًا قوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: ١٩٥].

فالمؤمن مطالب بأن يحفظ نفسه، وأن يقيها من الموت، فالنفوس لا تقدَّم رخيصة إلا في سبيل الله، وفي هذه الحال يكون ثمن هذه النفس التي تُباع: جنة عرضها السموات والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسوله؛ قالب تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: ١١١].

فالإسلام يحافظ على النفوس، لكن هذه النفوس إذا خرجت عن الطريق السوي؛ فلا بد أن تؤدب، وأن يوضع لها الحد الذي يتناسب مع هذه الجرائم والذنوب التي اقترفت.

وفي مسألتنا هذه؛ فإن الإنسان يجب عليه أن يأكل من الميتة إذا اضطر؛ فإن لم يأكل سيكون قد تسبب في قتل نفسه بغير حق، فمصيره النار.

<<  <  ج: ص:  >  >>