فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام: ١٤٥] وكذلك جاء في سورة النحل: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[النحل: ١١٥].
هذه كلها أدلة على أنه يجوز للإنسان أن يأكل من الميتة في حالة الاضطرار، وكذلك الحال بالنسبة للمشروبات؛ كما لو غصَّ بلقمة ولم يجد إلا خمرًا.
إذن لا يجوز للإنسان أن يأكل الميتة في حالة الاختيار، ولكن يجوز أن يأكل من الميتة ما يسد به الرمق فقط؛ أي: يدفع شبح الموت، ولا يجوز له أن يزيد. ومن العلماء من أجاز له أنه إذا اضطر فله أن يأكل إلى درجة الشبع، يشبع من هذه الميتة ما دام الله قد أباح له، وهي موجودة عنده، وهذا هو مذهب مالك، ورواية عن الإمام أحمد، أما أبو حنيفة والشافعي - وهي رواية عند الإمام أحمد؛ أو الأظهر في المذهب - فقالوا: لا يجوز له أن يأكل إلى درجة الشبع، وإنما يأكل ما يسد به رمقه.
هناك قضية وقعت لرجل نزل الحرَّة، فنفق عنده بعير، أي: مات، وكان هذا البيت بيتًا فقيرًا لا يجد شيئًا، فقالت له زوجته: اسلخها حتى نُقدِّد لحمها وشحمها، فقال: لا، حتى أسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ذلك؛ فذهب الرجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخبره بما حصل، وسأله عن حكم ذلك البعير، أيجوز أكله أمْ لا؟ فقال - صلى الله عليه وسلم - "هل عندكم ما يغنيكم عنها؟ "، قال الرجل: لا، قال:"فكلوها"(١).
فهُم مضطرون إليها، والرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يُفصِّل في ذلك، فقال:"كلوها"؛ والأكل هنا إنما يصل إلى درجة الشبع، فهذا دليلٌ على أن الإنسان يأكل منها إلى ما يصل إلى درجة الشبع.
أما الآخرون فقالوا: لا يجوز له أن يأكل إلا ما يسد به الرمق؛ لأنه
(١) أخرجه أبو داود (٣٨١٦)، وقال الأرناؤوط: إسناده حسن.