للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فذكرت له أن أبا جهم ومعاوية بن أبي سفيان خطباها (١). إذن هي جاءت لتخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إذن هي مستشيرة تطلب من الرسول - عليه الصلاة والسلام - النصح، فإذا جاءك أخوك المسلم يستشيرك فعليك أن تخلص له النصح، وليس لك أن تغشه في أمر من الأمور، "فمن غشنا فليس منا" (٢)، كما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فالقصد من ذلك أن تكون نيتك وقصدك خالصًا لله، تريد له الخير، أما أن تجتهد وتخطئ في اجتهادك فلا إثم عليك.

فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"أما أبو جهم فإنه لا يضع عصاه (٣) عن عاتقه" كناية عن ضربه للنساء، "وأما معاوية فصعلوك (٤) لا مال له" يعني: فقيرًا ليس عنده مال.

ثم قال لها: "انكحي أسامة بن زيد"، فأشارت بيدها كالمترددة، فأمرها - عليه الصلاة والسلام - أن ينكحها وتطيع الله ورسوله، فنكحته، قالت: فاغتبطت (٥) به.


(١) يقصد الحديث الذي أخرجه مسلم (١٤٨٠) عن فاطمة بنت قيس: أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب، فأرسل إليها وكيله بشعير، فسخطته، فقال: والله ما لك علينا من شيء، فجاءت رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له، فقال: "ليس لك عليه نفقة"، فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك، ثم قال: "تلك امرأة يغشاها أصحابي، اعتدي عند ابن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك، فإذا حللت فآذنيني"، قالت: فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان، وأبا جهم خطباني، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة بن زيد" فكرهته، ثم قال: "انكحي أسامة"، فنكحته، فجعل الله فيه خيرًا واغتبطت به.
(٢) جزء من حديث أخرجه مسلم (١٠١) عن أبي هريرة.
(٣) "لا يرفع عصاه عن عاتقه" معناه: أنه شديد على أهله خشن الجانب في معاشرتهن مستقص عليهن في باب الغيرة. وقيل: أراد أنه يؤدب أهله بالضرب، وقيل: أراد به كثرة الأسفار انظر: "الزاهر" للأزهري (ص ٢٠٦)، و"لسان العرب" لابن منظور (١٥/ ٦٦).
(٤) الصعلوك: الفقير. انظر: "الصحاح" للجوهري (٤/ ١٥٩٥).
(٥) الاغتباط: التبجح بالحال الحسنة، وقيل: هو الفرح بالنعمة. انظر: "تاج العروس" (١٩/ ٥٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>