للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذا الدَّليلُ متنازعٌ فيه، فبينما يستدلُّ به الجمهور ويُوجِّهونه توجيهًا، يستدل به أهل الظاهر ويوجهونه توجيهًا آخر (١).

وَحَديث كتاب عمرو بن حزم الذي كَتَبه الرسول عليه الصلاة والسلام، وسلَّمه إلى عمرو بن حزم فيه: "لا يمسُّ القرآن إلا طاهر" (٢)، اختلفوا فيه أيضًا، هل المراد بالطهارة هنا الطهارة من الأحداث؟ أم المراد بالطهارة هنا الطهارة المعنوية، وهُوَ أن يكون مسلمًا (٣)؟

فالجُمْهورُ -ومنهم الأئمة الأربعة- فَهموا أن المراد غير محدث.

ومن الأدلة أيضًا التي يتمسَّك بذكرها جمهور العلماء: ذلكم الحديث


(١) يُنظر: "المحلى" لابن حزم (١/ ٩٨)، حيث قال: "فإن ذكروا قول الله تعالى: {فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (٧٨)} [الواقعة: ٧٨]، {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (٧٩)}، فهَذا لا حُجَّة لهم فيه؛ لأنه ليس أمرًا، وإنما هو خبَرٌ، والله تعالى لا يقول إلا حقّا، ولا يَجُوز أن يصرف لفظ الخبر إلى معنى الأمر إلا بنصِّ جليٍّ، أو إجماع متيقنٍ، فلما رأينا المصحف يمسه الطاهر وغير الطاهر، علمنا أنه عَزَّ وَجَلَّ لم يَعْنِ المصحفَ، وإنما عنى كتابًا آخر".
(٢) أخرجه مالك في "الموطأ" (٢/ ٢٧٨)، وصححه الأَلْبَانيُّ في "إرواء الغليل" (١٢٢).
(٣) قال الشوكاني: "والحديث يدل على أنه لا يجوز مس المصحف إلا لمن كان طاهرًا، ولكن الطاهر يطلق بالاشتراك على المؤمن، والطاهر من الحدث الأكبر والأصغر، ومن ليس على بدنه نجاسة … ولو سلم صدق اسم الطاهر على مَنْ ليس بمحدثٍ حدثًا أكبر أو أصغر، فقد عرفت أن الراجح كون المشترك مجملًا في معانيه، فلا يعين حتى يبين، وقَدْ دلَّ الدليل هاهنا أن المراد به غيره؛ لحديث: "المؤمن لا ينجس"، ولو سلم عَدَم وجود دليلٍ يمنع من إرادته، لكان تعيينه لمحل النزاع ترجيحًا بلا مرجحِ، وتعيينه لجميعها استعمالًا للمشترك في جميع معانيه، وفيه الخلاف، ولو سلم رجحَان القول بجواز الاستعمال للمشترك في جميع معانيه، لَمَا صح، لوجود المانع، وهو حديث: "المؤمن لا ينجس".
قال السيد العلَّامة محمد بن إبراهيم الوزير: إن إطلاق اسم النجس على المؤمن الذي ليس بطاهر من الجنابة أو الحيض أو الحدث الأصغر لا يصح؛ لا حقيقةً، ولا مجازًا، ولا لغةً، صرح بذلك في جواب سؤال، ورد عليه، فإن ثبت هذا، فالمؤمن طاهر دائمًا، فلا يتناوله الحديث؛ سواء كان جنبًا أو حائضًا أو محدثًا أو على بدنه نجاسة"، انظر: "نيل الأوطار" (١/ ٢٤٣، ٢٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>