للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد جاء في الحديث الصحيح أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كانت عنده جارية فعلَّمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها فتزوَّجها دخل الجنة" (١)، فهذه أجور عظيمة أن يُعتق عبدًا في سبيل الله - سبحانه وتعالى -.

قوله: (وَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى أن الْحَسَبَ فِي ذَلِكَ هُوَ بِمَعْنَى الدِّينِ).

وفي قصة زين العابدين - رضي الله عنه - كانت عنده جاربةٌ مهذبة وكانت تصب عليه الماء فكأن الإبريق انفلت من يدها فوقع عليه، فتأثر بما حصل، فتلت عليه قول الله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٣) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣٤)} [آل عمران: ١٣٣، ١٣٤].

قالت: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ، قال: كظمت غيظي.

قالت: وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ، قال: عفوت عنكِ.

قالت: وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ، قال: أنتِ عتيقة لوجه الله (٢)

فامتصت غضب ذلك الرجل الكريم، وذكَّرته بالآية، وهكذا شأن السلف - رضي الله عنه -، إذا ذُكِّروا بأمرٍ من أمور الصلاح والتقى رجعوا، ولو قلبنا


(١) أخرجه البخاري (٩٧) ومسلم (١٥٤) عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاثة لهم أجران: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد، والعبد المملوك إذا أدى حق الله وحق مواليه، ورجل كانت عنده أمة فأدبها فأحسن تأديبها، وعلمها فأحسن تعليمها، ثم أعتقها فتزوجها فله أجران".
(٢) أخرجها البيهقي في "شعب الإيمان" (١٠/ ٥٤٥) عن طاهر بن يحيى الحسيني، حدثني أبي، حدثني شيخ من أهل اليمن قد أتت عليه بضع وسبعون سنة فيما أخبرني يقال له: عبد الله بن محمد، قال: سمعت عبد الرزاق، يقول: "جعلت جارية لعلي بن الحسين تسكب عليه الماء، فتهيأ للصلاة فسقط الإبريق من يد الجارية على وجهه فشجه، فرفع علي بن الحسين رأسه إليها، فقالت الجارية: إن الله - عز وجل - يقول: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} فقال لها: قد كظمت غيظي، قالت: {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} فقال لها: قد عفا الله عنك، قالت: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} قال: اذهبي فأنت حرة".

<<  <  ج: ص:  >  >>