للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا ينبغي أن يشق علينا أو يزعجنا أن نرى أئمتنا يقولون في قول ونرى دليلًا على خلافه؛ لأن هؤلاء لهم وجهة، ولكن الخطأ من يتبع قولًا يرى أنه مرجوح ويرى الخطأ في غيره، لكن الأئمة - رضي الله عنه - كلهم مجتهدون ويريدون الوصول إلى الحق من أقرب طريق ومن أهدى سبيل، ولذلك الإمام الشافعي بَيَّن أنه ما ناظر أحدًا وتمنى أن ينتصر عليه ولكنه تمنى أن يظهر الله الحق إما على يديه هو أو على يد خصمه (١)، فالغاية أن الحق يظهر هكذا كان شأن العلماء. لكن الآن تجد من ينتصر للرأي الذي يميل إليه أو للمذهب الذي يتمذهب به، ونحن لا نقول نترك المذاهب لا ولكن ينبغي أن نتمسك بها وندرسها دراسة جيدة؛ لأن هؤلاء الأئمة أفنوا أعمارهم واجتهدوا واستنبطوا من كتاب الله وسنة رسوله ثم خَرَّجوا لنا هذه الأحكام.

وعندما يقول الحنابلة مثلًا: كل جلد الميتة دبغ فهو نجس فليس معنى هذا أنني أتعصب لمذهب الحنابلة وأخالف قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - "أيما إهاب دبغ فقد طهر" (٢)، أو قوله: "إذا دبغ الإهاب فقد طهر هلا انتفعتم بجلدها" (٣). ليس كذلك، وعندما أجد رأيًا في مذهب مالك، وأجد أن الدليل على خلافه أو في مذهب أبي حنيفة أو الشافعي، ولذلك الشافعي وضع قاعدة وقال: "إذا صح الحديث فهو مذهبي" (٤).


(١) يُنظر: "حلية الأولياء" لأبي نعيم (٩/ ١١٨) وفيه: سمعت الشافعي يقول: "ما ناظرت أحدًا قط إلا أحببت أن يوفق ويسدد ويعان، ويكون عليه رعاية من الله وحفظ. وما ناظرت أحدًا إلا ولم أبال بين الله الحق على لساني أو لسانه".
(٢) أخرجه مسلم (٣٦٦) عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا دبغ الإهاب فقد طهر".
واللفظ الذي أشار إليه الشارح أخرجه النسائي (٤٢٤١).
(٣) أخرجه البخاري (١٤٩٢) ومسلم (٣٦٣) عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "وجد النبي - صلى الله عليه وسلم - شاة ميتة أعطيتها مولاة لميمونة من الصدقة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "هلا انتفعتم بجلدها؟ " قالوا: إنها ميتة: قال: "إنما حرم أكلها".
(٤) يُنظر: "طبقات الشافعية الكبرى" للسبكي (٦/ ١٤٠)؛ حيث قال: "وكان يقول إمامنا الشافعي - رحمه الله - قال: إذا صح الحديث فاتركوا قولي وخذوا بالحديث".

<<  <  ج: ص:  >  >>