للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآخر واضح؛ لأنه "يَذْكُرُ اللهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ" (١)، وأيضًا الرجلُ جَاء وسَلَّم عليه -صلى الله عليه وسلم-، ولم يرد عليه، ثُمَّ لما مال على الجدار، ضرب بيديه وتيمم وسلَّم، وقال: "إنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ إِلَّا أَنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنَا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ" (٢)، أيضًا هذا مستثنًى، وآخَر في حديثٍ آخَرَ أنه ردَّ، ثمَّ قال له: رَدَدتُ عليك، ولو سلمت عليَّ وأنا في مثل هذه الحال لمَا رَدَدتُ عليك (٣)، فَحَديث: "يَذْكُرُ اللهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ" (٤)، هو حديثُ صحيح لكنه عامٌّ.

قوله: (وَقَوْمُ جَعَلُوا الحَائِضَ فِي هَذَا الاخْتِلَافِ بِمَنْزِلَةِ الجُنُبِ، وَقَوْمٌ فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا، فَأَجَازُوا لِلْحَائِضِ القِرَاءَةَ القَلِيلَةَ اسْتِحْسَانًا؛ لِطُولِ مَقَامِهَا حَائِضًا، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، فَهَذِهِ هِيَ أَحْكَامُ الجَنَابَةِ) (٥).

هذه روايةُ في مذهب الإمام مالكٍ رَحِمَهُ الله، ووجهتُهُ طيبةٌ، وفهمُهُ دقيقٌ؛ لكونِهِ نَظَر إلى روح الشرع وَمَا فيها من يسرٍ ومراعاةٍ لمصالح العباد، فقَدْ تكون الحائض ممَّن تطول مدة حيضتها، فتنسيها بعض القرآن،


(١) تقدم تخريجه.
(٢) أخرجه أبو داود (٣٣٠)، بلفظ: "إنه لم يمنعني أن أرد عليك السلام إلا أني لم اَكُنْ على طهرٍ"، وقال الأَلْبَانيُّ في "صحيح أبي داود" (١٣): إسناده صحيح على شرط مسلم.
(٣) أخرجه البزار في "مسنده" (البحر الزخار) (١٢/ ٢٤٢)، عن ابن عمر أن رجلًا مر برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يهريق الماء، فسلم عليه الرجل، فرد عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- السلام، ثم قال: "إنَّمَا رَددتُ علَيك السَّلام أنِّي خشيت أن تقول: سلَّمت عليه، فلم يرد عليَّ، فإذا رأيتني هكذا، فلا تُسلِّم عليَّ؛ فإني لا أردُّ عليك السلام".
(٤) تقدم تخريجه.
(٥) يُنظر: "شرح مختصر خليل" للخرشي (١/ ٢٠٩)، حيث قال: " (ص) ومس مصحف لا قراءة (ش) أي أن الحيض يمنع مس المصحف، ولا يمنع القراءة ظاهرًا أو في المصحف دون مس خافت النسيان أم لا لعدم تمكنها من الغسل، ولذا تمنع من الوضوء للنوم، فلو طهرت منعت من القراءة، ولا تنام حتى تتوضأ كالجنب". وانظر: "الشرح الكبير" للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (١/ ١٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>