للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"يَذْكُرُ اللهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ"، عامًّا، وقالوا: حديثنا خاص، والخاصُّ يُقدَّم على العام.

والآخرون قالوا: حديثكُم يتطرَّق إليه احتمالٌ، وإذا تطرَّق الاحتمال، بطل الاستدلال، لكن الجمهور لا يُسلِّمُون بذلك، وهذا احتمالٌ ضعيفٌ، وغير مُسلَّم.

قوله: (وَذَلِكَ أَنَّ قَوْمًا قَالُوا: إِنَّ هَذَا لَا يُوجِبُ شَيْئًا، لِأَنَّهُ ظَنٌّ مِنَ الرَّاوِي، وَمِنْ أَيْنَ يَعْلَمُ أَحَدٌ أَنَّ تَرْكَ القِرَاءَةِ كَانَ لِمَوْضِعِ الجَنَابَةِ).

وهَلْ يُمْكن أن يَحْصُلَ من عليِّ بن أبي طالب أحد الخلفاء الراشدين المشهود لهم بالجنة أن يقول ذَلكَ عن ظنٍّ وحدسٍ (١) وتخمينٍ، هذا بعيدٌ جدًا.

قوله: (إِلَّا لَوْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ؟).

وكيفَ يقول ذلك عليُّ بن أبي طالب إلا وقد سَبَرَ الأمر (٢)، وعرف حقيقته، وإلا لا يمكن أن يقول ذلك.

قوله: (وَالجُمْهُورُ رَأَوْا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلِيٌّ - رضي الله عنه - لِيَقُولَ هَذَا عَنْ تَوَهُّمٍ وَلَا ظَنٍّ، وَإِنَّمَا قَالَهُ عَنْ تَحْقِيقٍ) (٣).

لا شكَّ أنَّ هذا الذي ذَكَره الجمهور هو الحقُّ، فلا يُمْكن أن يقولَ ذلك عن ظنٍّ، ولا يمكن أن يصدرَ حديثًا مجملًا دون أن يذكر حقيقته، فهو ذكر الحديث، وأطلقه، وهو صريح الدلالة، فلماذا توجه إليه هذه الاحتمالات، هذه أمور غير صحيحة، وكلام الجمهور عن دليل الفريق


(١) "الحَدْس": التوهُّم فِي معاني الكلام والأمور. انظر: "العين" للخليل (٣/ ١٣١).
(٢) "السَّبْر": وهو رَوْز الأمر وتَعرُّف قدره، يقال: خَبَرت ما عند فلان وسبرت. انظر: "مقاييس اللغة" لابن فارس (٣/ ١٢٧).
(٣) كذا في نسخة صبيح (١/ ٣٨)، والمعرفة (١/ ٤٩)، أما في نسخة العبادي، فقال: تحقيق.

<<  <  ج: ص:  >  >>