للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَرَع المُؤلِّف يُبيِّن ويسرد الأدلة التي استدلَّ بها كل فريقٍ لتقوية مذهبِهِ، فَجَماهيرُ العُلَماء المانعون يستدلُّون بحديث عليٍّ الذي صحَّحه الترمذي وغيره أنَّ الرَّسولَ -عليه الصلاة والسلام- ما كان يمنعه من قراءة القرآن شيءٌ إلا الجنابة، أي أنَّ الرَّسُولَ -عليه الصلاة والسلام- يقرأ القرآن في كل أحواله إلا في هذه الحالة.

أما الذين أجَازوا، فَقَد استدلوا بحديث عائشة الصحيح الذي أخرجه مسلمٌ وغيره: "كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ" (١). قالوا: والقرآن ذكرٌ، إذًا القرآن داخلٌ في الذكر، فللإنسان أن يقرأه، وكل أحيانه يدخل فيها حالة الجنب.

ويردُّ الجمهور بالقول إن حديث: "يذكر اللّه على كل أحيانه"، هذا حديثٌ صحيح ومُسلَّم، لكنه حديثٌ عامٌّ يُخَصِّصه دليلنا، حيث إن دليلنا نص في المُدَّعَى، نصٌّ في قراءة القرآن، وذاك عامٌّ في الذِّكْر، والذِّكْرُ أشمل من القرآن.

وعليه، فينبغي أن يُقيد ذلك الحديث بهذا الحديث.

والمجيزون يقولون: فحديثكم أيضًا يتطرق إليه احتمال؛ لأن قول عليٍّ: "ما كان يحجبه أو يحجزه عن قراءة القرآن شيءٌ ليس الجنابة" (٢)، يمكن أن يكون فَهْمَ عليٍّ - رضي الله عنه -، وَلَكن العلماء دافعوا عن ذَلكَ وَنَافحوا، وقالوا: لا يقول علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وهو الذي شهد الرسول له عليه الصلاة والسلام بقوله: "أَقْضَاكمْ عَلِيٌّ" (٣) - مثل ذلك على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا عن بَيِّنةٍ وعِلمٍ ومَعْرفةٍ.

فالكلُّ يُحَاول أن يُوجِّه دليل الفريق الآخر، أو أن يذكر علةً يضعف بها دليل الفريق الآخر، أو يَخُص بها حديثهم، فالجمهور اعتبروا حديث:


(١) أخرجه مسلم (٣٧٣).
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) أخرجه ابن ماجه (١٥٤)، وصَحَّحه الأَلْبَانيُّ في "الصحيحة" (٨٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>