للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا بد من وجود بينة، وهذه البينة منها الشهود، فإذا لم يأتِ باليمين على من أنكر، والمُدعى عليه إذن أنكر؛ لأنه إذا اعترف بها زال الإشكال، لكن مالك - رحمه الله - يرى أن للشبهة تأثيرًا في هذا المقام، نعم البينة على المدعي واليمين على المُدعى عليه، لكن أحيانًا تأتي قرينة وشبهة تؤثر على أحد الطرفين، فليس مجرد أنه مدعًى عليه تجب عليه اليمين مطلقًا، بل يحتاج إلى قرينة تقوي ذلك.

قوله: (بَلْ مِنْ جِهَةِ مَا هُوَ أَقْوَى شُبْهَةً فِي الْأَكثَرِ، وَلذَلِكَ يَجْعَلُ الْقَوْلَ فِي مَوَاضِعَ كثِيرَةٍ قَوْلَ الْمُدَّعِي إِذَا كَانَ أَقْوَى شُبْهَةً (١)، وَهَذَا الْخِلَافُ يَرْجِعُ إِلَى هَلْ إِيجَابُ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُعَلَّلٌ؟ أَوْ غَيْرُ مُعَلَّلٍ؟).

كثيرًا ما يذكر المؤلف هذا: معللة وغير معللة؛ يعني: معقولة المعنى وغير معقولة (٢).

فمثلًا: النية في الوضوء هل هي عبادة معقولة في المعنى أو غير


(١) يُنظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (٥/ ٤٣٥)؛ حيث قال: "ومثل هذا من مذهب مالك في الرهن يختلف الراهن والمرتهن فيما عليه من الدين، فالقول عنده قول المرتهن؛ لأن الرهن بيده فيصدق فيما بينه وبين قيمته وهو فيما زاد مدع. وهذا أصله في المتداعيين أن القول قول من له شبهة قوية كاليد وشبهها".
(٢) يُنظر: "الفقيه والمتفقه " للخطيب البغدادي (١/ ٥٤٨)؛ حيث قال: "التعبد من الله تعالى لعباده على معنيين:
أحدهما: التعبد في الشيء بعينه لا لعلة معقولة، فما كان من هذا النوع لم يجز أن يقاس عليه.
والمعنى الثاني: التعبد لعلل مقرونة به، وهي الأصول التي جعلها الله تعالى أعلامًا للفقهاء، فردوا إليها ما حدث من أمر دينهم، مما ليس فيه نص بالتشبيه والتمثيل عند تساوي العلل من الفروع بالأصول، وليس يجب أن يشارك الفرع الأصل في جميع المعاني، ولو كان ذلك واجبًا لكان الأصل هو الفرع، ولما كان يتهيأ قياس شيء على غيره، وإنما القياس تشبيه الشيء بأقرب الأصول به شبها، ألا ترى أن الله تعالى حكم في الصيد بالمثل في النعم، وحكموا في النعامة بالبدنة، وإنما يتفقان في بعض المعاني، وكذلك الحكم بالقيم والأمثال في الأشياء المتلفة".

<<  <  ج: ص:  >  >>