للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التأثير، وكما قيل عن البعض أنه يستطيع أن يقيم ببيانه أن هذه السارية من ذهب، لا أنها هذا الذي يذكر عنه في الباطل، لكنه قوي الحجة، وهذا نسبوه عن الإمام أبي حنيفة، بعض الناس تكون عارضته قوية وحجته مؤثرة، عنده قدرة على استجماع الأدلة واستحضارها، هذا إن كان سعيه للحق، فهذا أمر محمود، وإن كان يسعى إلى إقامة الباطل مقام الحق، فما أسوأ ذلك! فهو يلبس الحق بالباطل.

يقول - عليه الصلاة والسلام -: "ولعل أحدكم ألحن" يعني: أقوى "بحجته من الآخر، فأقضي على نحو مما أسمع".

وبهذا يتبين أن القاضي عندما يحكم بقضية فإنما يحكم بها على ضوء ما يظهر له من الأدلة والقرائن، وليس معنى ذلك - كما يظن البعض - أن الإنسان لو طالب غيره بحق، ويعلم أن المطالبة باطلة، لكنه ربما أحضر شهودًا، وهؤلاء الشهود قد يكونون شهود زور، وحكم له بالحق، فإن القاضي لا يُحِل له ذلك، ولذلك يقول الرسول: "إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو مما أسمع منه، فمن قطعت له من حق أخيه شيئًا فلا يأخذه فإنما أقطع له به قطعة من النار".

الآن أصبح الحق في الظاهر له، فإن شاء فليأخذه، وإن شاء فليدعه، لكن خاتمة المطاف: "فإنما أقطع له به قطعة من النار فإن شاء فليأخذها وإن شاء فليدعها".

فهل يرضى مسلم أن يأخذ قطعة من نار يكوى بها يوم القيامة؟ هذا قد يحصل، فكم من أناس يدعون أمورًا ليست لهم، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام: "لو يُعطى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءهم" (١).

ثم وضع لنا - عليه الصلاة والسلام - القاعدة الثابتة في ذلك:


(١) أخرجه البخاري (٤٥٥٢)، ومسلم (١٧١١) واللفظ له من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -.

<<  <  ج: ص:  >  >>