"ولكن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر". هذه رواية البيهقي، وفي الصحيحين:"واليمين على المُدعى عليه".
إذن هذه مقاييس وأصول وضعها الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحذَّر المؤمنين منها، ولكن قد يوجد من بين المسلمين من هو ضعيف النفس؛ ولذلك يقول تعالى:{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}[البقرة: ١٨٨].
ليس معنى هذا أن الذي يحلف يكون الحق معه، بعض الناس لا يريد أن يحلف تورعًا، يقول: لماذا أحلف؟ وليأخذ هذا الأمر وليأخذ هذا المال وسأجده عند الله، سأجده في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا}[آل عمران: ٣٠]{قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى}[النساء: ٧٧].
فإن المتقي لله - سبحانه وتعالى - هو الذي يخشاه - سبحانه وتعالى -، وخشية الله وتقواه يمبغي دائمًا أن تظهر في أعمال الإنسان، قد تكون أقوال الإنسان طيبة، لكن ينبغي أن تُرى مطبقة في أعماله، كما كان سلف هذه الأمة، وفي مقدمتهم أصحاب رسول الله - عليه الصلاة والسلام - وبذلك هناك كثرة المسائل والخلافات في كتاب الدعاوى والبينات.
ففي مسألتنا يقبل قول الحالف لأننا نحلفه باللّه ولسنا مُطالبين أن نحكم على الأسرار؛ لأننا لا ندرك ما في السرائر فلا يعلمها إلا الله - سبحانه وتعالى -: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٥٩)} [الأنعام: ٥٩].
والذي يعلم خائنة الأنفس وما تخفي الصدور، الذي يعلم السر وأخفى إنما هو الله سبحانه وتعالى أما الخلق فلا يعلمون، وأما أنبياء الله ورسله فإنهم يعلمون من الغيب ما يطلعهم الله سبحانه وتعالى عليه، أما هم فلا يملكون شيئًا، ولذلك يقول الله تعالى عن نبيه:{قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ}[الأعراف: ١٨٨].