للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خمس، وظلَّت هذه التلاوة في كتاب الله عز وجل إلى أن تُوفِّي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم بعد ذلك حصل الإجماع.

وقد يسأل سائل هنا ويقول: كيف يُتوفَّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والرضعات موجودات؟ كيف يتمُّ النسخ بعد موته؟ (١)، ولذلك لا نرى المؤلِّف ذكرها. فأجاب العلماء عن هذه المسألة: بأنَّ النسخ إلى خمسٍ قد حصل؛ لأن حديث عائشة صريح، "ثم نُسخْنَ إلى خمس"، قال العلماء: لأن النسخ إلى خمسٍ قد جاء متأخِّرًا في آخر حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتُوفِّي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبعض القوم لم يبلغهم النسخ فكانوا يتلون ذلك، فلما بلغهم ذلك أجمعوا على ترك التلاوة. هذا هو جواب العلماء عن ذلك، وبذلك يتبين المراد من الحديث (٢).

إذًا ممَّا مضى يتبيَّن أنَّ فريقًا من العلماء قالوا:

لا تحديد في ذلك؛ فإنه تُحرِّم المصَّةُ الواحدة، والإملاجة الواحدة، والرضعة الواحدة؛ لأنَّ الله أطلقه في كتابه العزيز، وكذلك جاء في بعض أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إطلاق ذلك.

والذين قالوا بالثلاث قالوا: جاء في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يبين أن المصةَ والمصتين لا تُحرِّمان، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - سُئل عن الرضعة الواحدة (أتُحرِّم؟ قال: لا) (٣)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تُحرِّم المصة ولا المصتان،


(١) يُنظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (١١/ ٣٦٤) حيث قال: "والاعتراض الثالث: إن قالوا هذا إثبات نسخ بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنها قالت فتوفي رسول الله وهن ممن يقرأ في القرآن، وبهذا لا يجوز وعنه جوابان: أحدهما: أنها روت بعد الرسول نسخًا كان في زمان الرسول، وقولها: كان مما يقرأ، أي: ممَّا يعمل به. والثاني: أنه كان يقرأ بعد رسول لإثبات حكمه لا لإثبات تلاوته، فلما ثبت حكمه تركت تلاوته".
(٢) يُنظر: "شرح النووي على مسلم" (١٠/ ٢٩) حيث قال: "ومعناه أن النسخ بخمس رضعات تأخر إنزاله جدًّا حتى إنه - صلى الله عليه وسلم - تُوفي وبعض الناس يقرأ خمس رضعات ولجعلها قرآنًا متلوًّا؛ لكونه لم يبلغه النسخ لقرب عهده، فلما بلغهم النسخ بعد ذلك رجعوا عن ذلك وأجمعوا على أن هذا لا يتلى".
(٣) تقدَّم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>