للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذًا هذا درس من الدروس الذي ينبغي أن يستفيده المسلم في هذه الحياة ليفيده بعد مماته.

ومن الأحكام التي تُستفاد من هذا أنها عندما ذكرت له أن أبا جهم ومعاوية خطباها قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - لها: "ذكر أن أبا جهم ضرَّاب للنساء لا يضع عصاه عن عاتقه، وأن معاوية رجل فقير صعلوك"، فقال لها: "أنكحي أسامة بن زيد"، وفاطمة بنت قيس قرشية، وأسامة إنما هو مولى وأبوه مولى ولكن كما قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: ١٣]، فقيمة الإنسان وعزته وكرامته إنما تكون في تقوى الله سبحانه وتعالى لا في كثرة ماله ولا في جاهه ولا في نسبه، ولو كان النسب يفيد لأفاد أقوامًا كبارًا ومن أقارب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين لم يدخل الإيمان في قلوبهم.

فترددتْ في ذلك حتى ورد في بعض الروايات: أنها كانت تشير أسامة أسامة، كالمنكرة لذلك، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أطيعي اللهَ ورسوله" (١).

لا شكَّ أنَّ من يطيع الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - فإن هذه هي السعادة كما قال تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: ٦٩]، وكذلك نجد قول الله سبحانه وتعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (٥٤)} [النور: ٥٤] فهل عصته فاطمة؟ الجواب: لا، فلما سمعت هذه الكلمة التي


= بخلافة الحسن بن علي، - رضي الله عنه -، فإنه نزل عن الخلافة لمعاوية في ربيع الأول من سنة إحدى وأربعين، وذلك كمال ثلاثين سنة من موت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنه توفي في ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة، وهذا من أكبر دلائل النبوة، وقد مدحه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على صنيعه هذا، وهو تركه الدنيا الفانية، ورغبته في الآخرة الباقية، وحقنه دماء هذه الأمة، فنزل عن الخلافة وجعل الملك بيد معاوية، حتى تجتمع الكلمة على أمير واحد.
(١) أخرجه مسلم (١٤٨٠) وفيه .. "فقالت بيدها هكذا: أسامة، أسامة، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "طاعة الله، وطاعة رسوله خير لك"، قالت: فتزوجته، فاغتبطت".

<<  <  ج: ص:  >  >>