للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معه مثل هدبة الثوب - هذا تعريض بأن الرجل لا يستطيع أن يقوم بحقها - فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: "أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟! لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك" (١).

عسيلة: تصغير العسل يصغر على عسيل؛ لأن هناك صيغًا معروفة للتصغير: "فُعيل وفُعيلِل وفُعيلِيل"؛ فالثلاثي يصغر على "فعيل"؛ فعسل يصغر على عسيل؛ فيقال: عسيل ثم تلحقه التاء للتأنيث فيقال: عسيلة.

وهذا كناية عن لذة الجماع (٢)؛ فلا بد أن يطأها الزوج الجديد، وإذا لم يحصل وطء فلا.

ولم يخالف في هذه المسألة إلا سعيد بن المسيب (٣)، وهو من كبار التابعين وحجته في ذلك قول الله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣١]؛ فليس هناك شرط المسيس، والنكاح يطلق على العقد؛ فلو دخل بها ولم يحصل مسيس ظاهر الآية كذلك، ولم يوافق أحد سعيد بن المسيب في قوله هذا، ولم يتبعه أحد من العلماء بعده.

والعلماء قاطبة اتفقوا على خلاف هذا الرأي، وحجتهم حديث رفاعة الذي مر قبل قليل.


(١) أخرجه البخاري (٦٠٨٤)، ومسلم (١٤٣٣) ولفظه: أن رفاعة القرظي طلق امرأته فبت طلاقها، فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير، فجاءت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، إنها كانت تحت رفاعة، فطلقها آخر ثلاث تطليقات، فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير، وإنه والله ما معه إلا مثل الهدبة، وأخذت بهدبة من جلبابها، قال: فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضاحكا، فقال: "لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة، لا، حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عسيلته".
(٢) وهذه استعارة لطيفة؛ فإنه شبه لذة الجماع بحلاوة العسل أو سمى الجماع عسلًا، لأن العرب تسمي كل ما تستحليه عسلًا، وأشار بالتصغير إلى تقليل القدر الذي لا بد منه في حصول الاكتفاء به. قال العلماء: وهو تغييب الحشفة لأنه مظنة اللذة.
انظر: "المصباح المنير"، للفيومي (٢/ ٤١٠).
(٣) يُنظر: "الاستذكار"، لابن عبد البر (٥/ ٤٤٧)؛ حيث قال: "وعلى هذا جماعة العلماء إلا سعيد بن المسيب فإنه قال: جائز أن ترجع إلى الأول إذا طلقها الثاني وإن لم يمسَّها، وأظنه لم يبلغه حديث العسيلة وأخذ بظاهر القرآن".

<<  <  ج: ص:  >  >>