للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: (أَمَّا أَهْلُ الظَّاهِرِ: فَلَمَّا كَانَ الأَصْلُ عِنْدَهُمْ أن حُكْمَ العَبدِ فِي التَّكَالِيفِ حُكْمُ الحُرِّ إِلَّا مَا أَخْرَجَهُ الدَّلِيل، وَالدَّلِيلُ عِنْدَهُمْ هُوَ نَصٌّ أَوْ ظَاهِرٌ مِنَ الكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ).

أهل الظاهر لا يأخذون بالقياس، وإنما يردونه، ويرون أن من قاس دين اللّه فقد ابتدع، وجاء في أثر علي: "لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه" (١)؛ لأن الذي يطأ على الأرض ويتعرض للأوساخ والنجاسات أسفل الخف.

والعبادات توقيفية: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [النور: ٥١]؛ فكل ما جاء عن اللّه وعن رسوله - صلى الله عليه وسلم - من الأمور الواضحة ينبغي أن نسلم وأن نقف عنده وألا نتردد في ذلك؛ لأن هذا فيه حياتنا: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: ٢٤].

ولا شك أن رأي أهل الظاهر ضعيف، وكونهم يردون القياس هذا حقيقة كلام غير مقبول، فاللّه - صلى الله عليه وسلم - يقول في كتابه العزيز: {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: ٢]، والاعتبار إنما هو المقايسة.

والرسول - صلى الله عليه وسلم - قاس وفي أمر هام وخطير عندما جاءه رجل مغضب متأثر يشكو ويقول: إنه ولد له ولد يخالف لونه لون أمه وأبيه فسأله رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - سؤال: "هل لك من إبل؟ " قال: نعم قال: "وما ألوانها؟ " قال: حمراء. قال: "فيها من أورق؟ " قال: نعم قال: "وأنى ذلك؟ " يعني: كيف جاء ذلك؟ قال: لعله نزعها عرق قال: "ولعل ابنك نزعه عرق" (٢)؛


(١) أخرجه أبو داود (١٦٢)، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود - الأم" (١٥٣).
(٢) أخرجه البخاري (٥٣٠٥) ولفظه: أن رجلًا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول اللّه، ولد لي غلام أسود، فقال: "هل لك من إبل؟ " قال: نعم، قال: "ما ألوانها؟ " قال: حمر، قال: "هل فيها من أورق؟ " قال: نعم، قال: "فأنى ذلك؟ " قال: لعله نزعه عرق، قال: "فلعل ابنك هذا نزعه"، ومسلم (١٥٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>