للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فسار الرجل راضيًا بتوجيه رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - قد زالت عنه وساوس الشيطان وأوهامه وذهب مستقرًّا مرتاحًا مطمئنًّا بابنه.

قوله: (وَلَمْ يَكُن هُنَاكَ دَلِيلٌ مَسْمُوعٌ صَحِيحٌ وَجَبَ أن يَبْقَى العَبْدُ عَلَى أَصْلِهِ، وَيُشْبِهَ أَنْ يَكُونَ قِيَاسُ الطَّلَاقِ عَلَى الحَدِّ غَيْرَ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّ المَقْصُودَ بِنُقْصَان الحَدِّ رُخْصَة لِلْعَبْدِ لِمَكَان نَقْصِهِ، وَأَنَّ الفَاحِشَةَ لَيْسَتْ تَقْبُحُ مِنْهُ قُبْحَهَا مِنَ الحُرِّ، وَأَمَّا نُقْصَانُ الطَّلَاقِ، فَهُوَ مِنْ بَابِ التَّغْلِيظِ).

لا شك أننا عندما نستقرئ هذه الشريعة الغراء العظيمة نجد أن فيها ما يدل على التخفيف عن العبد؛ لأن هذا مملوك كالسلعة التي تبيع وتشتري بها؛ فهو لا يتصرف بنفسه، حتى فيما يتعلق بالمكاتب ما دام المكاتب لم يسدد النجوم التي عليه يعتبر رقيقًا فيما بقي من حريته، وكذلك المنصَّف من يعتق نصفه؛ فالشريعة لا شك أنها تخفف على أمثال هؤلاء، والواقع أن العبد والأمة مخفف عنهما مطلقًا؛ لأنهم بحاجة إلى ذلك، والمرأة يخفف عنها لوضعها الذي تعيش فيه فلا جهاد عليها لرقتها.

قوله: (لِأَنَّ وُقُوعَ التَّحْرِيمِ عَلَى الإِنْسَان بِتَطْلِيقَتَيْنِ أَغْلَظُ مِنْ وُقُوعِهِ بِثَلَاثٍ لِمَا عَسَى أن يَقَعَ فِي ذَلِكَ مِنَ النَّدَمِ، وَالشَّرْعُ إِنَّمَا سَلَكَ فِي ذَلِكَ سَبِيلَ الوَسَطِ).

لكن قد يردُّ على هذا ويقال: بأن العبد ربما يتحرى ولا يتسرع في أمر الطلاق؛ لأنه مملوك، وكونه يتزوج مرة أخرى يختلف عن الحر، قد يكون الحر الأمر له ميسور وسهل والعبد ليس كذلك، فليست القضية قضية تغيّر، وإنما نأخذ ذلك - كما يقول الجمهور - من عموم الأدلة؛ فالشريعة فيها تيسير، وأولى الناس بالتيسير العبد والأمة، واللّه سبحانه وتعالى قد خفف عنهما أحكامًا عظيمة من أحكام الشريعة ألا يخفف عنهما فيما يتعلق بهذا الأمر.

قوله: (وَذَلِك أَنَّهُ لَوْ كَانَتِ الرَّجْعَةُ دَائِمَةً بَيْنَ الزَّوْجَةِ لَعَنَتَتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>