للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما ينبغي معرفته في حقيقة الأمر - كما سيأتي في باب البيع - أن البيع بالرغم من أنه يُشترَط فيه عدم الجهالة وعدم الغرر، وبالرغم من أن الجهالة والغرر هي عيوبٌ يُرَدُّ المبيع من أجل وجودها، إلا أن هناك بيوعًا يُتساهَل فيها؛ لأنها أمورٌ يصعب الوصول إلى حقيقتها، كما هو الحال في بيع الصبرة (١)، وكالخرص (٢)، وكذلك كالتسامح في جهالة أساس البيت المبيع، لأن الإنسان يتعذر عليه أن يحفر ليتيقن من سلامة أساس البيت ونوعه.

وكذلك الحال في عوض الخُلع، فهناك أمورٌ ينبغي أن تكون معلومةً، فلا يجوز للزوجة المخالَعة على بعيرٍ شاردٍ أو عبدٍ آبقٍ، أو حملٍ في بطنٍ أو ثمرةٍ لم يَبْدُ صلاحُها، فمذهب المالكية والحنابلة متقاربٌ في هذه المسائل، إلا أن المالكية توسَّعوا فيها، أما الحنابلة فيفرقون فيها بين الجهالة اليسيرة والجهالة الفاحشة (٣).

* قوله: (وَسَبَبُ الخِلَافِ: تَرَدُّدُ العِوَضِ هَاهُنَا بَيْنَ العِوَضِ فِي البُيُوعِ أَوِ الأَشْيَاءِ المَوْهُوبَةِ وَالمُوصَى بِهَا، فَمَنْ شَبَّهَهَا بِالبُيُوعِ اشْتَرَطَ فيه مَا يُشْتَرَطُ فِي البُيُوعِ وَفِي أَعْوَاضِ البُيُوعِ. وَمَنْ شَبَّهَهُ بِالهِبَاتِ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ).

ونحن نقول بأنه تردُّد العوض بين البيع والنكاح؛ لأن النكاح هو الأقرب شبهًا بالخُلع، فالخُلع إنما هو حلّ القيد الذي أَوْجَدَهُ النكاح، ولذا فإنه لا ينبغي أن تكون فيه جهالة، أما الأشياء الموهوبة فهذه يتسامحون فيها، الآن الأصل في الهبة أنها عطيَّةٌ ومنحةٌ، فلا ضير في وجود الجهالة فيها.


(١) "الصَّبْرَة": هي الكومة من الطعام المجتمعة على بعضها، والجمع: صُبَر. يُنظر: "لسان العرب" لابن منظور (٤/ ٤٤١).
(٢) أصل الخرص: إعمال الظن فيما لا يستيقن، ويخرصون النخل والثمار، يعني: يقدرون عدده أو كيله أو وزنه. يُنظر: "تهذيب اللغة" (٧/ ٦١).
(٣) ستأتي هذه المسائل.

<<  <  ج: ص:  >  >>