ذلك بأن الفسخ إنما يكون قهريًّا للزوج، كأن يتزوج امرأةً ثم يتبين أنها أخته من الرضاع أو ذات مَحرَمٍ له، أو كأن يُعسِر بالنفقة، أو يَظهر فيه عيبٌ من عيوب النكاح كالبرص والجذام والعنة، فهذه الحالات تستلزم الفسخ بحيث لا يكون للزوج اختيارٌ فيه، وأما الخُلع فإنه يكون باختيار الزوج ورضاه، فعلى هذا فإن الجمهور يرى أن الخُلع طلاقٌ وليس فسخًا.
أما الفريق الآخر فقد استدلّوا على أن الخُلع فسخٌ وليس بطلاقٍ بأن الله تعالى قد جَمَعَ بين الطلاق والافتداء في موضعٍ واحدٍ في كتابه الكريم، فقال تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٢٩)} [البقرة: ٢٢٩]، والافتداء إنما هو الخُلع، وما دام اللّهُ قد ذَكَرَه بعد أن ذَكَرَ طلقتين فإن القائلين بأن الخُلع طلاقٌ كأنهم يقولون بوجود طلقةٍ رابعة، لأن الله تعالى قال في الآية التي تليها:{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}[البقرة: ٢٣٠]، والقول بوجود طلقةٍ رابعةٍ لم يَقُل به أحدٌ من أهل العلم، وهذا الربط بين الآيتين هو ما احتجَّ به ابن عباس - رضي الله عنهما -.
ثمَّ إن القائلين بأن الخُلع فسخٌ احتجوا كذلك بعدم صحة ما وردَ من آتارٍ تخالف المأثور عن ابن عباسٍ، فيبقى احتجاج ابن عباسٍ هو الحجة، والدليل الواضح في المسألة.