للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال له عُمَرُ: ما تَرَى؟ فقال ابن مسعودٍ: أراها واحدةً. فقال عُمَرُ: وأنا كذلك) (١).

وهنا يجب التأمل في موقف عُمَرَ - رضي الله عنه - ووقوفه عند الحق، فبالرغم مما هو عليه من الفراسة والذكاء والدقة، وبالرغم من أن القرآن كان ينزل مؤيدًا لرأيه، إلا أنه لَمَّا جاءه الحقُّ وعرفه وقف عنده ولم يتجاوزه، وهو ما ننبه عليه طلاب العلم دائمًا وأبدًا؛ لأن الحكمة ضالّة المؤمن، ومن هنا وقع الخلاف بين الأئمة، فالخطأ في الاجتهاد ليس قبحًا في عِلم العالِم ولا يُنقِص من قدره شيئًا، إلا إذا كان الخطأ بسبب تغليبه هوى النفس وميله عن طريق الحق.

قوله: (وَقَدْ قِيلَ: لَيْسَ التَّمْلِيكُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ مَا جَعَلَ الشَّرْعُ بِيَدِ الرَّجُلِ لَيْسَ يَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى يَدِ المَرْأَةِ بِجَعْلِ جَاعِلٍ، وَكَذَلِكَ التَّخْيِير، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ) (٢).

أي: قيل: إن التمليك والتخيير لا يقع بهما شيءٌ.

وقد أُثِرَ هذا عن بعض الصحابة (٣)، وذهب إليه أهل الظاهر، ومعهم بعض المحققين من أهل العلم، وأما نسبته إلى أبي محمد بن حزمٍ صاحب "المُحَلَّى" فليس بحقيقةٍ، بل هو كما ذَكَرْنَا (٤).

وأصحاب هذا القول يُعَلِّلُونَهُ بأن الله سبحانه وتعالى إنما جَعَلَ الطلاقَ بيد الرجل، وبناءً على ذلك فإن نَقْلَ الطلاق من يد الرجل إلى يد المرأة يُعَدُّ


(١) أخرجه ابن حزم في "المحلى" (١٠/ ١١٩).
(٢) يُنظر: "المحلى" لابن حزم (١٠/ ١١٧) حيث قال: "ومن خير امرأته فاختارت نفسها أو اختارت الطلاق أو اختارت زوجها أو لم تختر شيئًا فكل ذلك لا شيء وكل ذلك سواء ولا تطلق بذلك".
(٣) كابن عباس، وتقدم.
(٤) تقدم نقل كلام ابن حزم وموافقته.

<<  <  ج: ص:  >  >>