للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا نذرٌ، والرسول - صلى الله عليه وسلم - بيَّن أن النذر لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل (١)، فالأصل أنَّ الإنسان يفعل الخير دون أن يلزم نفسه به، لماذا لا تسارع إلى الخيرات تقوم بنفس طيبةٍ راضيةٍ نقيةٍ، الله فتح لك المجال، أعطاك الفوصةَ، أمرك بالمسابقة والاستباق، وكما قال ابن القيم رحمهُ الله (٢):

فَحَيَّ على جنات عدنٍ فإنها … منازلنا الأولى وفيها المخيم

إذًا أنت سابق إلى هذه الأعمال الطيبة وسارع إليها.

قوله. (وَفي الْيَمِينِ أَوْقَعَهُ بِالنِّيَّةِ فَقَطْ) (٣).

فالأيمان التي تأتي في كلام الإنسان لا والله وبالله لا يؤاخذ عليها، قال تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} [المائدة: ٨٩]، وأخطرها اليمين الغموس التي تغمس صاحبها في النار، وهو الذي يحلف على أمر وهو يعلم أنه كاذبٌ فيه، ربما ينجو من الناس، ولكنه سيقف بين يدي علام الغيوب، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي لا ينطق عن الهوى وضع لنا منهجًا لعل أحدكم يكون أقوى بحجته من الآخر فأحكم على نحو ما أسمع فمن اقتطعت له من حق أخيه شيئًا فليأخذه أو فليدعه إنما أقطع له قطعةً من نار (٤).

قوله: (وَمَنْ أَعْمَلَ التُّهَمَةَ أَوْقَعَهُ بِاللَّفْظِ فَقَطْ).

من أعمل التهمة أوقع الطلاق باللفظ من باب سد الذرائع (٥)،


(١) أخرجه البخاري (٦٦٠٨)، ومسلم (١٦٣٩) عن ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "النذر لا يقدم شيئًا، ولا يؤخره، وإنما يستخرج به من البخيل".
(٢) يُنظر: "إغاثة اللهفان "لابن القيم (١/ ٧١).
(٣) هو قول الزهري وابن سيرين وتقدم.
(٤) أخرجه البخاري (٢٦٨٠)، ومسلم (١٧١٣) أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنما أنا بشرٌ، وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، وأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيتُ له من حق أخيه شيئًا فلا يأخذ، فإنما أقطع له قطعةً من النار".
(٥) سد الذريعة: هو منع فعل بعض الأشياء لأنها تكون ذريعةً أو طريقًا يؤدي إلى فعل المحظور المنهي عنه. يُنظر: "الموافقات" للشاطبي (٢/ ٥٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>