للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

• قوله: (فَنَقُولُ: إِنَّهُ اتَّفَقَ المُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الطَّهَارَةَ الشَّرْعِيَّةَ طَهَارَتَانِ: طَهَارَةٌ مِنَ الحَدَثِ، وَطَهَارَةٌ مِنَ الخَبَثِ. وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الطَّهَارَةَ مِنَ الحَدَثِ ثَلاثَةُ أَصْنَافٍ: وُضُوءٍ، وَغُسْلٌ، وَبَدَلٌ مِنْهُمَا وَهُوَ التَّيَمُّمُ، وَذَلِكَ لِتَضَمُّنِ ذَلِكَ آيَةَ الوُضُوءِ الوَارِدَةَ فِي ذَلِكَ، فَلْنَبْدَأْ مِنْ ذَلِكَ بِالقَوْلِ فِي الوُضُوءِ).

وقوله: "اتَّفَقَ المُسْلِمُونَ": سَنَرى خلافًا في أكثر المسائل بين العلماء؛ لأن ما هو مجمعٌ أو متفقٌ عليه قليلٌ، وليس هذا لتقصير العلماء، بل إنَّ العلماءَ يُمحِّصون تلك المسائل، ولكلٍّ منهم وجهة هو موليها، فقد يبلغ هذا نصٌّ ولا يبلغ الآخر، وقد يبلغهم جميعًا هذا الحديث، فيفهمه هذا على فهمٍ، ويفهمه الآخر على فهمٍ، وقد يكون هذا الحديث قد نسخه ناسخٌ ولا يعَلم عنه هذا، وقد يكون هَذا الحديث فيه ضعفٌ، فيُدْركه أحد العلماء، ولا يدركه الآخر، وقد يصح عند بعضهم، ولا يصح عند الآخر، لكن ما نريد أن نحققه في هذه الدراسة أن نسعى إلى الحقِّ من أقرب طريقٍ وأهداه، فلا ينبغي أن يدفعنا الميل إلى إمامٍ من الأئمة أن نُؤيِّد رأيه دائمًا، وأن نقول: هذا هو الحق، ولا ينبغي أن نخرج عن قولِهِ، بَلْ هذا هو الخطأ في الحقيقة؛ لأن هذا الاندفاع هو الذي قد يُوقع بعض العلماء، والرسول - عليه الصلاة والسلام - أشَار إلى فرقةٍ من هذه الأمة، ألا وهم الخوارج، وهُمُ الذين قال فيهم: "تَحْقِرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ، وَعَمَلَكُمْ مَعَ عَمَلِهِمْ، وَيَقْرَؤونَ القُرْآنَ لا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ" (١)؛ لأنهم لَمْ تكن دراستُهُم للعلم دراسةً فقهيةً، ولكن غلب عليهم الغُلُو والاندفاع، فوقعوا فيما وقعوا فيه حتى وصل بهم الأمر وبغيرهم أيضًا إلى أن أنْكَروا جوانبَ من سُنَّة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والرسول - عليه الصلاة والسلام - قَدْ توقع هذا الأمر، وَحذَّر منه، قال: "لا ألفينَّ أَحَدكم متكئًا على أريكته -يعني: جالسًا على


(١) البخاري حديث (٥٠٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>