للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطَّلَاقِ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ لَمْ يُصَدَّقْ، وَذَلِكَ إِذَا كَانَ عِنْدَهُ فِي مُذَاكَرَتِهِ الطَّلَاقَ. وَأَبُو حَنِيفَةَ يُطَلِّقُ بِالْكِنَايَاتِ كُلِّهَا إِذَا اقْتَرَنَتْ بِهَا هَذِهِ الْقَرِينَةُ إِلَّا أَرْبَعَ: حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ، وَاعْتَدِّي، وَاسْتَبْرِئِي، وَتَقَنَّعِي. لِأَنَّهَا عِنْدَهُ مِنَ الْمُحْتَمَلَةِ غَيْرِ الظَّاهِرَةِ. وَأَمَّا أَلْفَاظُ الطَّلَاقِ الْمُحْتَمَلَةُ غَيْرُ الظَّاهِرَةِ: فَعِنْدَ مَالِكٍ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهَا نِيَّتُه، كَالْحَالِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي الْكِنَايَةِ الظَّاهِرَةِ. وَخَالَفَهُ فِي ذَلِكَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ فَقَالُوا: لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ، وَإِنْ نَوَى طَلَاقًا. فَيَتَحَصَّلُ فِي الْكِنَايَاتِ الظَّاهِرَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: قَوْلٌ أَنْ يُصَدَّقَ بِإِطْلَاقٍ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَقَوْلٌ إِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ بِإِطْلَاقٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَالِكَ قَرِينَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَقَوْلٌ إِنَّهُ يُصَدَّقُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مُذَاكرَةِ الطَّلَاقِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَفِي الْمَذْهَبِ خِلَافٌ فِي مَسَائِلَ يَتَرَدَّدُ حَمْلُهَا بَيْنَ الظَّاهِرِ وَالْمُحْتَمَلِ، وَبَيْنَ قُوَّتِهَا وَضَعْفِهَا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى صِفَةِ الْبَيْنُونَةِ فَوَقَعَ فِيهَا الاخْتِلَاف، وَهِيَ رَاجِعَة إِلَى هَذِهِ الْأُصُولِ، وَإِنَّمَا صَارَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْكِنَايَاتِ الظَّاهِرَةِ إِنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ طَلَاقًا، لِأَنَّ الْعُرْفَ اللُّغَوِيَّ وَالشَّرْعِيَّ شَاهِدٌ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ إِنَّمَا تَلَفَّظَ بِهَا النَّاسُ غَالِبًا، وَالْمُرَادُ بِهَا الطَّلَاق، إِلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَالِكَ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا صَارَ إِلَى أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَولهُ فِيمَا يَدَّعِيهِ دُونَ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ هُوَ الْبَيْنُونَة، وَالْبَيْنُونَةُ لَا تَقَعُ إِلَّا خُلْعًا عِنْدَهُ فِي الْمَشْهُورِ أَوْ ثَلَاثًا، وَإِذَا لَمْ تَقَعْ خُلْعًا - لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ عِوَضٌ - فَبَقِيَ أَنْ يَكُونَ ثَلَاثًا، وَذَلِكَ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، وَيَتَخَرَّجُ عَلَى الْقَوْلِ فِي الْمَذْهَبِ بِأَنَّ الْبَائِنَ تَقَعُ مِنْ دُونِ عِوَضٍ وَدُونِ عَدَدٍ أَنْ يُصَدَّقَ فِي ذَلِكَ وَتَكُونَ وَاحِدَةً بَائِنَةً. وَحُجَّةُ الشَّافِعِيِّ: أَنَّهُ إِذَا وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِ فِي صَرِيحِ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ كَانَ أَحْرَى أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ فِي كِنَايَتِهِ، لِأَنَّ دَلَالَةَ الصَّرِيحِ أَقْوَى

<<  <  ج: ص:  >  >>