للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِاخْتِيَارِهِ، وَالْمُكْرَهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ هُوَ الَّذِي لَمْ يَكُنْ لَهُ اخْتِيَارٌ فِي إيقَاع الشَّيْءِ أَصْلًا، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ يَحْتَجُّ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلَامُ -: "رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ" (١)، وَلَكِنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّ الْمُكْرَهَ عَلَى الطَّلَاقِ وَإِنْ كَانَ مُوقِعًا لِلَّفْظِ بِاخْتِيَارِهِ أَنَّهُ يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ فِي الشَّرْعِ اسْمُ الْمُكْرَهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: ١٠٦]، وَإِنَّمَا فَرَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالطَّلَاقِ، لأنَّ الطَّلَاقَ مُغَلَّظٌ فِيهِ، وَلِذَلِكَ اسْتَوَى جِدُّهُ وَهَزْلُهُ).

"إن اللّه وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" (٢)، معنى ذلك أن هؤلاء خفف عنهم، قال تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: ٢٨٦]، وقال تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: ١٠٦]، فليس الناسي ولا الجاهل ولا المكرة مثل الإنسان العالم الغير مكره.

قوله: (وَأَمَّا طَلَاقُ الصَّبِيِّ: فَإِنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ مَالِكٍ (٣) أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ حَتَّى يَبْلُغَ، وَقَالَ فِي "مُخْتَصَرِ مَا لَيْسَ فِي الْمُخْتَصَرِ" (٤): أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إِذَا نَاهَزَ الاحْتِلَامَ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إِذَا هُوَ أَطَاقَ صِيَامَ رَمَضَانَ (٥)،


(١) تقدَّم تخريجه.
(٢) تقدَّم تخريجه.
(٣) يُنظر: "مواهب الجليل" للحطاب (٣/ ٥٤٣) حيث قال: "طلاق الصبي لا يلزم ولا يخير الولي فيه".
(٤) لم أقف عليه.
(٥) يُنظر: "الإنصاف" للمرداوي (٨/ ٤٣٢) حيث قال: " (من الصبي العاقل يصح طلاق المميز العاقل). على الصحيح من المذهب. وعليه جماهير الأصحاب قال في القواعد الأصولية: والأصحاب على وقوع طلاقه، وهو المنصوص عن الإمام أحمد - رَحِمَه اللهُ - في رواية الجماعة".

<<  <  ج: ص:  >  >>