للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعقل، بمعنى أن يعرف أن زوجته إذا طلقها تحرم عليه، فمن أدرك أهمية الزواج وأنه بطلاقه تفوت عليه زوجته يكون عاقلًا مدركًا، فينزل منزلة العاقل المكلف البالغ عند بعض العلماء، وهي روايةٌ عن الحنابلة.

وبعضهم يقول: كل صبيٍّ لم يبلغ لا يقع طلاقه؛ لأنه غير مكلفٍ، وهم الحنفية والمالكية والشافعية (١)، ويستدلون بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "رفع القلم عن ثلاثةٍ: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق" (٢)، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - قيَّد الحكم بالنسبة للصغير أن يبلغ أي: أن يصل سن البلوغ، فهذا فيه رفعٌ للقلم عن الصغير.

فلو أننا أوقعنا طلاق الصغير الذي لم يبلغ فإننا قد كلفناه بما لم تكلفه به الشريعة، وألزمناه بوقوع الطلاق، وهذا خلاف ما دلَّ عليه حديث رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنَّ إيقاع الطلاق فيه حكم وطلبة، ومطالبة الصغير بحكم من الأحكام إنما هو إلزام له، وإلزامه بذلك إنما هو تكليف له، والصبي غير مكلفٍ، فلا يحصل منة طلاق حتى يبلغ.

قوله: (وَأَمَّا طَلَاقُ السَّكْرَان).

المراد بالسكران الذي شرب حتى سكر، وليس المراد من ذلك زائل العقل من غير قصدٍ، لأن زوال العقل يحصل من عدة أمور لا إرادة للإنسان فيها كالجنون أو الإغماء أو النوم؛ لأنَّ النائم يعتبر غير مدركٍ، فلو أنَّ إنسانًا طلَّق وهو في حالة نومه وقال لامرأته: أنت طالق، فلا تطلق زوجته، والمجنون كذلك لا يترتب عليه شيء من الأحكام، ولا تطلق زوجته، ولو أنَّ انسانًا أغمي عليه فإنَّ زوجته لا تطلق كذلك، ولو أنَّ إنسانًا شرب دواءً فترتب على شرب ذلك الدواء أن ذهب عقله فطلَّق فطلاقه لا يقع، لكن لو تعمد شرب الدواء لهذا الغرض ويعلم بأنه يسكره ويذهب عقله، فإنه في هذه الحالة يلحق بالسكران.


(١) تقدَّم.
(٢) تقدَّم.

<<  <  ج: ص:  >  >>