للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ظهوره من فرج المرأة في وقتٍ، وكمونه في آخر؛ فسمي وقت مجيئه قرءًا، كما سمى الذين سموا وقت مجيء الريح لوقتها قرءًا، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم - لفاطمة بنت أبي حبيش: "دعي الصلاة أيام أقرائك" (١)؛ بمعنى: دعي الصلاة أيام إقبال حيضك.

(وَلكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ احْتِجَاجَاتٌ مُتَسَاوِيَةٌ مِنْ جِهَةِ لَفْظِ الْقُرْءِ، وَالَّذِي رَضِيَهُ الْحُذَّاقُ أَنَّ الْآيَةَ مُجْمَلَةٌ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّ الدَّلِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يُطْلَبَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، فَمِنْ أَقْوَى مَا تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ رَأَى أَنَّ الْأَقْراءَ هِيَ الْأَطْهَارُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الْمُتَقَدِّم، وَقَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: "مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ يُطَلِّقَهَا إِنْ شَاءَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللهُ أَنْ يُطَلَّقَ لهَا النِّسَاءُ" (٢)).

ولما وصفنا من معنى القرء أشكل تأويل قول الله: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: ٢٢٨] على أهل التأويل، فرأى بعضهم أن الذي أمرت به المرأة المطلقة ذات الأقراء من الأقراء أقراء الحيض، وذلك وقت مجيئه لعادته التي تجئ فيه، فأوجب عليها تربصُ ثلاث حيضٍ بنفسها عن خطبة الأزواج.

ورأى آخرون: أن الذي أمرت به من ذلك إنما هو أقراء الطهر، وذلك وقت مجيئه لعادته التي تجيء فيه، فأوجب عليها تربص ثلاثة أطهارٍ.

فإذا كان معنى القرء ما وصفنا لما بينا، وكان الله تعالى ذكره قد أمر المريد بطلاق امرأته ألَّا يطلقها إلا طاهرًا غير مجامعةٍ، وحرم عليه طلاقها حائضًا، كان اللازم للمطلقة المدخول بها إذا كانت ذات أقراءٍ تربص أوقاتٍ محدودة المبلغ بنفسها عقيب طلاق زوجها إياها أن تنظر إلى ثلاثة


(١) أخرجه أحمد (٢٥٦٨١)، وقال الأرناؤوط: حديثٌ صحيحٌ.
(٢) أخرجه البخاري (٤٩٠٨)، أخرجه مسلم (١٤٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>