قروءٍ، فمعلوم أنها لم تكن مطلقةً يوم آلى منها زوجها، لإجماع الجميع على أنَّ الإيلاء ليس بطلاقٍ موجبٍ على المؤلي منها العدة.
وإذ كان ذلك كذلك، فالعدة إنما تلزمها بعدُ للطلاق، والطلاق إنما يلحقها بما قد بينَّاه قبل.
وأما معنى قوله:{وَالْمُطَلَّقَاتُ}[البقرة: ٢٢٨] فإنه: والمخليات السبيل غير ممنوعاتٍ بأزواجٍ ولا مخطوباتٍ، وقول القائل: فلانة مطلقةٌ، إنما هو مفعلة من قول القائل: طلق الرجل زوجته فهي مطلقةٌ، وأما قولهم: هي طالقٌ، فمن قولهم: طلقها زوجها فطلقت هي، وهي تطلق طلاقًا، وهي طالق.
وقد حكي عن بعض أحياء العرب أنها تقول: طلقت المرأة، وإنما قيل ذلك لها إذا خلَّاها زوجها، كما يقال للنعجة المهملة بغير راعٍ ولا كالئ إذا خرجت وحدها من أهلها للرعي مخلاة سبيلها: هي طالق.
فمثلت المرأة المخلاة سبيلها بها، وسميت بما سميت به النعجة التي وصفنا أمرها. وأما قولهم: طلقت المرأة، فمعنى غير هذا إنما يقال في هذا إذا نفست، هذا من الطلق، والأول من الطلاق.
(١) يُنظر: "شرح صحيح البخاري" للخطابي (٣/ ٢٠٢٩)؛ حيث قال: "قلت: فيه دليلٌ على أن الأقراء التي تعتد بها المطلقة هي الأطهار وذلك لقوله: فتلك العِدة، فعقَّب تلك بعد الطهر، وقد تقدم ذِكر الحيض الأول الذي كان أوقَع فيه الطلاق، ثم أتبعه ذِكر الطهر الثاني، ثم ذكر الحيض بعدهما ثالثًا، ثم ذكر الطهر رابعًا، ثم ألصق به قوله: فتلك العدّة التي أمر الله أن تطلق لها النساء، فدل أن الطهر هو العدَّة".