للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه دلالة لقول من قال: إن الأقراء التي تعتد بها المرأة هي الأطهار خلافًا لأبي حنيفة في قوله: "إنها الحِيَض"؛ لأنه قال: "فإن شاء طلَّق"، يعني: عند طهرها، ثم قال: "فتلك العدة التي أمر الله أن يطلّق لها النساء".

ومعنى "لها"، أي: فيها، فأثبت - صلى الله عليه وسلم - الطهر عدة ولا تعلق لهم بقوله: "فتلك"، وأن هذا لفظ تأنيث فيحمل على الحيضة، وأنه لو كان المراد الطهر لقال: فذلك؛ لأن المراد هاهنا تأنيث الحالة أو تأنيث العدَّةِ.

قوله: (وَأَقْوَى مَا تَمَسَّكَ بِهِ الْفَرِيقُ الثَّانِي أَنَّ الْعِدَّةَ إِنَّمَا شُرِعَتْ لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَبَرَاءَتُهَا إِنَّمَا تَكُونُ بِالْحَيْضِ لَا بِالْأَطْهَارِ، وَلذَلِكَ كَانَ عِدَّةُ مَنِ ارْتَفَعَ الْحَيْضُ عَنْهَا بِالْأَيَّامِ، فَالْحَيْضُ هُوَ سَبَبُ الْعِدَّةِ بِالْأَقْرَاءِ، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْأَقْرَاءُ هِيَ الْحَيْضَ، وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ: الْأَقْرَاءُ هِيَ الْأَطْهَارُ: بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي بَرَاءَةِ الرَّحِمِ هُوَ النَّقْلَةُ مِنَ الطُّهْرِ إِلَى الْحَيْضِ، لَا انْقِضَاءُ الْحَيْضِ، فَلَا مَعْنَى لاعْتِبَارِ الْحَيْضَةِ الْأَخِيرَةِ، وَإِذَا كانَ ذَلِكَ فَالثَّلَاثُ الْمُعْتَبَرُ فِيهِنَّ التَّمَامُ - أَعْنِي: الْمُشْتَرَطَ - هِيَ الْأَطْهَارُ الَّتِي بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ، وَلكِلَا الْفَرِيقَيْنِ احْتِجَاجَاتٌ طَوِيلَةٌ، وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ أَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى، وَحُجَّتُهُمْ مِنْ جِهَةِ الْمَسْمُوعِ مُتَسَاوِيَةٌ أَوْ قَرِيبٌ مِنْ مُتَسَاوِيَةٍ، وَلَمْ يَخْتَلِفِ الْقَائِلُونَ: أَنَّ الْعِدَّةَ هِيَ الْأَطْهَارُ أَنَّهَا تَنْقَضِي بِدُخُولِهَا فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ (١)).

احتجَّ كل فريقٍ باحتجاجات نظريةٍ متعددةٍ، ومن جهة النظر يفوق بعضهم على البعض الآخر في إقامة الحُجَّة.

إلا أنهم من جهة الاستدلال بالكتاب والسنَّة يستوون في ظنيَّة استدلال كل فريقٍ.


(١) قد ظهر ذلك من خلال النصوص السابقة عن الصحابة، ومن بعدهم من أهل العلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>