للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد جاء في الحديث الصحيح عن جُنْدَبٍ أَنَّ رَسُولَ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم -، حَدَّثَ "أَنَّ رَجُلًا قَالَ: وَاللهِ لَا يَغْفِرُ اللّهُ لِفُلَانٍ، وَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَنْ لَا أَغْفِرَ لِفُلَانٍ، فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلَانٍ، وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ" (١)، فقوله: "يتألَّى عليَّ" (٢)، أي: يُقسِمُ عليَّ، ولذلك أحبطَ الله عملَهُ وغفرَ للآخَر؛ لأنَّ التعذيب والعفو كلاهما من الأمور التي تخضع لإرادة الله سبحانه تعالى. هذا إلى جانب ما ورد في السُّنة المطهَّرة من حديث رسول الله، أنه - صلى الله عليه وسلم -: "آلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا، فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةُ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ نَزَلَ إِلَيْهِنَّ" (٣).

وأَصْلُ هذَا الباب: هو الآية الكريمة التي أوردها المؤلف في قوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ}، فهي نَصٌّ صريحٌ في الإيلاء، وبالرغم من كونها آيةً واحدةً إلا أن المتأمّل فيها يجدها قد اشتمَلَت على جملةٍ من الأحكام، وهذه الأحكام قد تَناوَلَها المؤلِّف في عشر مسائل، وتناوَلَتها الكُتُب المُطَوَّلة في أضعاف ذلك، وهذه هي عادة المؤلف حيثُ يتناول أُمَّات المسائل ولا يتتبع المسائل الفرعية، ولذا فإن هذه الآية أصلٌ في باب الإيلاء.

فقوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ}. أي: يَحلِفُون، وفي قراءة أُبَيِّ بن كعبٍ وابن عباسٍ جاءت: {لِلَّذِين يُقْسِمُون} (٤)، وقد فسَّرَها ابن عباسٍ بأن معناها أنهم يَحلِفون بالله سبحانه وتعالى، وسيأتي أن هذا التفسير قد احتجَّ به القائلون


(١) أخرجه مسلم (٢٦٢١).
(٢) يُنظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" لابن الأثير (١/ ٦٢)، حيث قال: "من يتأل على الله يكذبه، أي: مَن حكم عليه وحلف، كقولك: والله ليدخلن الله فلانًا النار ولينجحن الله سعي فلان، وهو من الألية: اليمين. يقال: آلى يولي إيلاء، وتألى يتألى تأليًا، والاسم الألية".
(٣) أخرجه البخاري (١٩١٠)، ومسلم (١٠٨٥).
(٤) ذكرها ابن خالويه في "مختصر في شواذ القرآن" (ص ٢١) عن ابن عباس، وينظر: "المحرر الوجيز" لابن عطية (١/ ٣٠٢)، حيث قال: "قرأ أُبيّ بن كعب وابن عباس: (للذين يقسمون)، ويؤلون معناه يحلفون".

<<  <  ج: ص:  >  >>